أحمد الفرجوني سليل أسرة البنا اسم لا يمكن تخطيه في خارطة الأغنية السودانية قديمها (الحقيبة) وحديثها فهو شاعر مجيد ومغنًِّ بارع ومتحدث بارع يسحرك ببيانه وحلو تعبيره .. عاشق للبادية وللصيد والطراد لم يتخل عن هوايته حتى وهو في أمريكا أعد وقدم عدداً من البرامج للإذاعة السودانية وإذاعة السلام إلى جانب اهتمامه بالشعر الشعبي وأدب البطانة جلست اليه (آخر لحظة) وخرجت بالافادات التالية. الفرجوني اللقب من أين أتى؟ الفراجين بطن من بطون قبيلة رفاعة تجمعنا بهم علاقة نسب وهم أعمام لي. عشت بعض أيام طفولتي وسطهم فأنا جعلي القبيلة رفاعي النشأة وشكري اللسان والوجدان.سر الغنا عند أسرة البنا؟ الغنا جزء من الحنين الموجود في النفس وإنسان البادية أبداً لا يفارقه الحنين لأنه يرتحل عبر الأماكن وعبر فصول السنة طلباً للماء والكلأ وأحياناً للأمان وله مواطن مرتبطة بالسكن والرعي وأخرى مربوطة بتاريخ القبيلة وهذه المواطن تصبح مواطن حنين يعبر عنها بالغناء. وهذا المسلك سلكه أباؤنا رغم وجودهم في المدن وارتباطهم بالوظائف فهم لم ينسوا البادية. وآل البنا فيهم سمة إذ أنهم لا يحبون الحياة المعقدة بل يحبون البساطة في المأكل والملبس والمسكن. والبدوي أبداً مشبوب بالحنين وهو في حاجة مستمرة للغنا. وفي البطانة هناك شجر الاكسير ويقال انها تورث الذكاء والصحة وتحقق للانسان ما يشاء من أحلام بدنياً ونفسياً ووجدانياً. فتأتي الأبل وتأكل من هذه الشجرة ويأتي الانسان ويشرب من لبن هذه الأبل فيصير نبيهاً فطناً. تجربتك مع الاذاعة؟ الاذاعة هي امي وأم كثير من الفنانين الراضين والساخطين وهي تصنع والتلفزيون يلمّع، قدمت فيها عدداً من البرامج مثل سمر البوادي أوائل الثمانينيات وحقيبة الفن قبل ان أغادر للخارج وبعد العودة قدمت برنامج هجعة شعر بإذاعة السلام فلهم التحية فهم يمنحونك مطلق الحرية. وكذا ضيف دائم في برنامج مسامرات الذي يقدمه أخي الأمين البنا بالإذاعة السودانية. رأيك في بعض البرامج؟ هناك برامج لابد أن تغير طريقة طرحها فمثلاً برنامج (ربوع السودان) هذا البرنامج اقصائي فيجب أن تقدم الاغنية سواء كانت من الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب من غير أي تخصيص برنامج معين لتلك الأغاني وهذا البرنامج من شأنه ان يزيد من نغمة ثقافة الهامش والمركز فالأغنية يجب أن تدس للمستمع من غير ان يشعر بذلك.أما عن برنامج حقيبة الفن فهو بدعو لعزلة الأجيال ومحاولة عزل الأغاني هي محاولة للفرقة. فسيأتي يوم لا أحد يستمع فيه لحقيبة الفن وأنا متأكد ان هذا البرنامج لا يسمعه الا القليل من المهتمين بالحقيبة وأن أي شخص عادي سوف يدير موجة الراديو إلى محطة أخرى عند بداية تقديمه لذا يجب ان تبث مثل هذه الأغاني من غير ما تخصيص برامج لها وبالاسم فهي تحمل من الجمال شيء كثير. لماذا الأغنية السودانية متقوقعة في محيطها الداخلي؟ هنالك جهابذة ردوا على هذا السؤال بأن الأخوة العرب لم يتيحوا لهم مساحات في أجهزتهم الإعلامية وهذا في رأيي منطق العاجزين فالأعمال الجيدة والمتقنة هي التي تفرض نفسها على الآخرين بل تجعلهم يبحثون عنها فأنت مطلوب منك أن تعد المادة التي تستحق وتناقس. والأغنية السودانية من صفاتها الرتابة والانسان السوداني معتاد عليها وتقبلها وتاريخ نشأة الأغنية السودانية كان مع الطمبور الوافد من كردفان وهو إيقاع حلقي امتزج بأبيات الدوبيت القادم من البطانة هذا الامتزاج خرج لنا بأغنية الحقيبة والتي كان يؤديها سرور وعمر البنا وعلي الشايقي. والدوبيت دائماً لحنه واحد في جميع المربعات ويختلف الموضوع من مربع الى آخر. فنحن نحتاج لبنية جديدة للأغنية تكون وحدة عضوية فيها العرق والجذع والساق والفروع والأعصاب والثمر والآن بدأنا أنا وعاصم البنا في بناء لزمة جديدة للأغنية تسير فيها الكلمات مع اللحن في خط متوازٍ فقد ولى زمان ان يتوقف العازفون عن العزف أثناء تأدية المغني للأغنية فلابد أن يعملا في آن وحد. وإذا خرجت الأغنية من الرتابة تفجرت في بقاع الأرض. ü وماذا عن هجرة الفنانين؟ أنا لا أسميها هجرة فهي غربة واغتراب فالهجران يعني ترك الشيء وعدم الرجوع إليه والفنان الذي يغترب يذوق مرارة الغربة ومنهم من يتصالح مع نفسه ومع الواقع الجديد وهذا هو الذي ينجح في الامتحان ويظل محافظاً على قاعدته ويمدهم بما هو جديد أما الذي يعتقد أنه جاء منقذاً لهذا المجتمع فهو مخطئ فأنت ما عليك إلا أن تتصالح مع الواقع وتحتفظ بحاجاتك الجميلة أو ترجع الى وطنك وتكون نسياً منسياً. عن انتاجك الشعري؟ لديّ أكثر من 3000 مقطوعة دوبيت مجموعة في جهاز حاسوب ولا استعجل اخراجها فأنا لديّ طموح ومقترح أن أطبع مؤلَّفاً يكون مرجعاً للشعر الشعبي خاصة شعر البطانة مع مراعاة طريقة الكتابة والشرح حتى يفهمه الحضري قبل البدوي مع الاهتمام بالأوزان العروضية. فمن الملاحظ انه لابد من التجديد في الألفاظ وهذا الأمر لا يخلو من خطورة البحث عن كلمات جديدة فالتجديد مع الاحتفاظ بالأصالة هو ما يجعل هذا الفن يصمد أمام التاريخ. ماذا لمست من الشعب الأمريكي وأنت تعايشه ل 9 سنوات؟ شعب كريم وشهم وأصيل ولا اهتمام له بالسياسة يحبون الطبيعة وركوب الخيل ويصادقون الشجر والصخر والحيوان. المستطيع منهم من يختار أعلى قمة جبل وينشي بيته بين الغزلان والطيور أما أواسط المدن فلا تجد فيها سوى الفقراء والأجانب.