النازحون في دارفور، واستهداف جنوب كردفان، وقضايا اقتصادية، تظل برأي المراقبين ضمن أولويات الدولة في الوقت الراهن، مع أهمية كسب الزمن، إلا أن العلاقة المتأرجحة مع دولة جنوب السودان وتداعياتها، تصدرت- ربما- تلك الأولويات، أضف الى ذلك مسألة التدخل في الشؤون الداخلية بصورة سافرة من قبل منظمات غربية، تدعى زوراً بأنها إنسانية، الأمر الذي بات- وبالحاح بحسب الأستاذ عبد الكريم محمد بابكر الخبير في شؤون قضايا السلام والإغاثة- بضرورة أن تدفع الدولة بمنظمات إغاثية وطنية.. تحفظ الاستقرار قبل مد يد العون لمن يريدها.. وتقع على رأسها أهداف المصالحة والائتلاف.. قبل اختلاف النازحين أحياناً في وجهة نظر الدولة باختيار من تستعين بهم من أبناء الوطن في هذا الأمر، أما حان الآن مع استصحاب كل التجارب السابقة أن يشمر أبناء دارفور سواعدهم والالتفاف حول برامج السلطة الانتقالية، والعمل بيد واحدة مع رئيسها الدكتور التجاني سيسي، يتساءل عبد الكريم محمد بابكر، وأمن الخبير الدارفوري على قدرة وخبرة دكتور السيسي في قيادة المرحلة المقبلة من تاريخ دارفور.. كما كانت له أدوار في حقب مختلفة، كثيرون من أبناء دارفور أنفسهم يؤيدون هذا الرأي من منطلق الحفاظ على انجازات السلام الذي تحقق، وضمان سياسات التعايش السلمي بين الدارفوريين أنفسهم.. وحول ما يثار من لغط بأن هناك تباينا في وجهات النظر بين مكونات السلطة الانتقالية، فند عبد الكريم هذا الحديث، وأكد أن الجميع الآن يعملون بروح واحدة وهدف واحد، منوهاً الى أن قضايا تعزيز النسيج الوطني وإعانة النازحين لا تحتمل اي تأخير، واعتبر أن كل من تأخر هو ضمن المخذلين لاستقرار دارفور والسودان ككل. حديث الخبير الدارفوري يردده الحريصون من أصحاب التجارب.. لكن أليس أبناء دارفور أكثر دراية بقضاياهم؟؟ ألا يعلمون أنهم لم يقوموا بحلحلة الاشكالات التي تحفظ إنسان وأرض دارفورمن شرور العابثين واللاهثين وراء السلطة دون فائدة تذكر.. أما حان الوقت ليقول أبناء دارفور كلمتهم، كفى للصراع، كفى للاقتتال، نعم للبناء والتعمير، ويفوتوا الفرص الانتهازية على الجبهة الثورية التي تحرك عبر ريموت كونترول ليس من دولة جارة.. لكن.. من «تل ابيب»، وهي الحقيقة التي يعرفها كل من وصف نفسه بالثوري، سواء كان له قرون أو استشعارها على سبيل تنفيذ أجندة من قام بإعارته تلك القرون.. أليست الحكمة ضالة المؤمن بقضيته حتى، نعم أليس من العقل والحكمة أن ينأى الدارفوريون بعيداً عن ترهات وسفاسف الأمور والالتفات الى تعضيد روح التعاون مع قيادات وسلطات دارفور، وعلى رأسها دكتور التجاني السيسي، الذي حافظ على تاريخه الناصع البياض، فضلاً عن خبراته الإدارية والسياسية، والاستفادة بقوة من الفرص التي تجمع ولا تفرق، وتدفع بالوحدة لتوجيه فوهات المدفع على كل متربص ومخرب ومكرس للفرقة والشتات، لكن الخلص من أمثال التجاني سيسي وولاة الولايات الخمس يرددونها بصوتٍ عالٍ.. لا والف لا، لمن يحاولون التلاعب بعقل إنسان دارفور وأرضها الطيبة.. وجدير الأخذ في الاعتبار توقعات الأحداث المقبلة على صعيد نتائج الجهود المبذولة في تحقيق أكبر قدر ممكن من النجاحات في ملف النازحين، وإعادة التوطين باعتباره ملفاً يمكن أن يطوي الملفات الأخرى، بمعنى يدفع بنجاحها بصورة أكبر. كما لابد من لفت انتباه مثقفي دارفور الى ضرورة تكاتفهم، وشحذ هممهم نحو رؤية المزيد من التنمية البشرية، والعمل بصورة فاعلة على نبذ القبلية، والجهوية التي لا تخدم بالضرورة المصالح الوطنية.. حيث الأهم من ذلك هو الوقوف خلف البرامج التي تبني ولا تهدم، بعد الاتفاق بقوة على تقديم الكفاءات من ذوي الخبرة في المناصب، دون أن تأخذ الحمم النفسية مآخذها في نفس الإنسان.. ومن ثم وضع حدٍ لكل من تسول له نفسه بالثوران دون أن يكون هناك سبب أو حتى بركان يسيل فيه، وما بين هذا وذاك ما الذي دفع بأناس- دون تسميتهم- عن كلمة «السلام» أليس هو شر الطمع الشخصي، مما كان له مردوده بإعاقة مسيرة السلام، وكلما دخل أناس خرج آخرون.. أما حان هذا المسلسل الإنهزامي أن ينتهي، مع العلم بأن السودان ودارفور تسع الجميع بكل مشاربهم، وأفكارهم بل وأطماعهم أحياناً- إن صح التعبير- ولكن لا اطماع سياسية أو اقتصادية ما دام أن الأرض من سننها الكونية «لا دوام لاحد والدوام لله وحده»، حري بجميع أبناء السودان أن يتماسكوا أكثر وبقوة مع الإيمان بأن أقدار الله موزعة، ذاك يحكم لبضع سنين، وهذا يعارض بحكمة لذات السنين، والأكثر حكمة من يضع الوطن فوق حدقات عيونه، ويعمل على توفيق هذا وذاك.. ودعوات هنا وهناك بأن المسؤوليات بما فيها رئيس السلطة الانتقالية تكليف وليس تشريفاً.. والكل مكلف بخدمة وتأدية واجبه دون كلل أو ملل، وليس هناك ما يدفع بالتدافع نحو سلطة ما، دون أدنى التفات لما هو أكثر إلحاحاً بتضافر الجهود، وانفاذ العهود، قبل اليوم الموعود «يوم الحساب».. إذن لابد من أن تراجع اي حركة تدعي وتتحدث باسم أبناء دارفور، وتجلس مع نفسها دون انحياز، واضعة في الاعتبار وبضمير قضية السلام والتضامن الوطني.. الامر الآخر الذي لابد من الإشارة اليه هو ضرورة الإذعان للأصوات التي تطالب وتنادي بتكريس وجود منظمات إغاثية وطنية، تحل محل الأجنبية، وفي هذه المطالب دواعٍ وأسباب مقبولة على الأقل، كما تطالب بأهمية الحرص على دفع الروح الحريصة على العمل الجماعي في هذا الشأن، ولا داعي أبداً أن تكون المصلحة الشخصية تطغى على العمل المناط تنفيذه.. الأمانة مطلوبة و«ليتنافس المتنافسون فيها كيفما شاءوا». الجميع يتطلع إلى أن تكون السلطة الانتقالية برئاسة دكتور التجاني سيسي، منطلقاً قومياً بعيداً عن الجهوية الضيقة، وأن تكون أكثر فعالية مع سلطات الأقاليم الخمسة وفق سياسات، من شأنها أن تدفع دكتور التجاني لمزيد من النجاحات لقضايا السلام، وتقلل من جهود دحر اللئام.