ü على قول المثل المصري «العيار المايصيبش إدوش»، وجاء القرار المصري بإلغاء- وفي رواية أخرى وقف أو تجميد- تصدير الغاز إلى إسرائيل، بمثابة عيار، ربما أصاب أو على الأقل أحدث «دوشة» وذعراً غير مسبوقين في إسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس الراحل السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيجن برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. ü القرار جاء محاطاً بالعديد من الألغاز والتساؤلات بسبب الطريقة التي أعلن بها والمبررات التي سيقت لدواعيه، فهو بحسب ما أُعلن (رسمياً) كان إجراءً عقابياً استلزمته شروط التعاقد بين البائع (المصري) والمشتري الإسرائيلي، بينما أشارت التداعيات الفورية للقرار إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن القرار في جوهره وامتداداته المنطقية هو بمثابة «عيار» أُطلق باتجاه معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واتفاقية كامب ديفيد أو هو بمثابة صخرة ضخمة أُلقيت في بركة العلاقات الآسنة بين البلدين. ü فبحسب «الأهرام»، أكد المهندس محمد شعيب رئيس «الشركة القابضة للغازات والمواد الطبيعية» المصرية «إيجاس»- EGAS- أن الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات وشركة البحر المتوسط للغاز قامت «بإنهاء التعاقد» مع الشركة الإسرائيلية بسبب إخفاق الطرف الآخر في الوفاء بإلتزاماته في التعاقد، وقال شعيب: إن هذا العقد هو عقد «تجاري بحت»، وإن إنهاء التعاقد «ليست له أية علاقة بأي شيء آخر»، وليست له «أبعاد سياسية أخرى». وقال مصدر مسؤول آخر بقطاع البترول المصري: إن شركة شرق المتوسط (EMG) التي تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل أخفقت في سداد مستحقات هيئة البترول- قيل إنها 10% من قيمة المبيعات- وتقدر بنحو (100) مليون دولار، وإن إنهاء التعاقد جاء لعدم سداد الشركة هذه المبالغ. ü المالك المصري المعروف لشركة «شرق المتوسط»، هو رجل الأعمال الهارب حسين سالم الصديق الأقرب للرئيس المخلوع مبارك وباني قصره وفلل أنجاله بشرم الشيخ، وربما شريكه من الباطن في عمليات نهب وتهريب المليارات المصرية إلى الخارج كما اتضح في أعقاب ثورة 25 يناير، وهي العلاقة التي تدخل ضمن الاتهامات التي يواجهها مبارك وأنجاله ومعاونوه في المحاكمات الجارية الآن، اتهامات الفساد وتهريب الأموال بالإضافة إلى استباحة دماء الشهداء أثناء الثورة. ü شواهد عديدة تؤكد أن إسرائيل اعتبرت القرار بمثابة ضربة «فنية» قد لا تكون «القاضية» وجهت من جانب «مصر الجديدة» إلى اتفاقية السلام، قالتها القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي في ذات اليوم (الأحد) وأضافت أن الشركة الإسرائيلية (المستوردة) تدرس اللجوء إلى القضاء أو إلى المستوى السياسي للتعامل مع القضية، وأكدت الخارجية الإسرائيلية من جانبها نبأ إلغاء اتفاقية الغاز، أما شاؤول موفاز زعيم المعارضة الإسرائيلية فقد كان أكثر صراحة حين قال: إن إلغاء الاتفاق يشكل «انتهاكاً سافراً لمعاهدة السلام بين البلدين»، ويُشير إلى هبوط العلاقات إلى أدنى مستوى، وطالب واشنطن بالرد على الخطوة المصرية بوصفها «راعية لمعاهدة السلام». ü لكن ما هو أكثر إثارة للاهتمام ومدعاة للتأمل هو ما صدر عن وزير الخارجية الإسرائيلي- الصهيوني المتطرف- أفيجدور ليبرمان قبل يوم واحد من إعلان إلغاء اتفاقية الغاز، فقد ذكر ليبرمان في رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو «إن الشأن المصري مُقلق بالنسبة لإسرائيل أكثر من الملف النووي الإيراني»، وطالب ليبرمان الحكومة باتخاذ قرار سياسي شجاع لإحياء القيادة العسكرية الجنوبية» التي أُلغيت منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر، وطالب بحسب صحيفة (معاريف) الإسرائيلية، بتوفير الميزانية اللازمة لتغطية نفقات هذه القوات، مع إعداد سيناريوهات مقترحة لأي (مفاجآت مستقبلية) محتملة، وزعم ليبرمان في رسالته إلى نيتانياهو أن الوحدات العسكرية المصرية التي دخلت سيناء بعد اندلاع الثورة، لا تقوم بالمهام المنوطة بها حسب اتفاقية السلام والتي وافقت إسرائيل عليها بالفعل. ü رسالة ليبرمان إلى نيتانياهو، يجب عدم قراءتها «كتصريح صحفي»، فهي خطوة سياسية رسمية من جانب وزير الخارجية الإسرائيلي، الرجل الثاني- بحكم موقعه- في منظومة الحكم الإسرائيلي، فهو يطالب باتخاذ قرار محدد عبر اللجنة الأمنية المصغرة للحكومة، تتبعه إجراءات عملية تتمثل في إحياء القيادة الجنوبية في مواجهة مصر، البعض رأى أن تحرك ليبرمان قد تزامن «مصادفةً» مع أنباء إلغاء اتفاقية الغاز، ولكن تصريحات المسؤولين المصريين أكدت أن القرار اتخذ منذ يوم الخميس الماضي وأنه أبلغ للشركة الإسرائيلية الأحد، وهذا يدعو المرء لأن يرجح أن ليبرمان علم باكراً، وقبل إعلان القرار، بمضمونه، واستبق ذلك بهذه الرسالة «التهديدية» علها تدفع المصريين للتراجع، وهو ترجيح يستند إلى الحقيقة البسيطة، وتاريخ العلاقات الإسرائيلية المصرية في أوقات الحرب أو السلم، بأن إسرائيل لابد أن تكون لها عيونها واختراقاتها وسط هذه الشركات والعناصر العاملة في استيراد الغاز المصري، الذي يشكل قيمة اقتصادية بالنسبة لها، ولكن أهم من ذلك يمثل مؤشراً إستراتيجياً لديمومة اتفاقية السلام مع مصر أكبر وأخطر الجبهات على أمنها، فلابد أن ليبرمان علم باكراً وبعث بهذه الرسالة وأصر على نشرها لتصل إلى آذان وعيون المصريين. ü أمس، وبعد ساعات معدودة من إعلان نبأ إلغاء الاتفاقية، غصَّت المواقع الالكترونية بالتعليقات المُحبذة والمُشيدة بالخطوة، ما أكد أشواق المصريين للتحرر من العلاقة الظالمة والمسيئة مع إسرائيل التي أسس لها الرئيس السادات، واستغلها خلفه مبارك أسوأ استغلال لمصلحته الشخصية، ففي الوقت الذي يتضور المصريون ويقفون في طوابير طويلة من أجل الحصول على أنبوب الغاز ب(20) جنيهاً- كما قال بعضهم- يستمتع الإسرائيليون بالغاز المصري الرخيص الذي يباع بأقل من أسعاره العالمية ليحصل الإسرائيلي على أنبوب الغاز لقاء (5) شيكل لا غير. لكن تحبيذ القرار والإشادة به تخطى حدود المواطنين العاديين إلى سياسيين كبار بينهم مرشحون للرئاسة ونواب في البرلمان. ü على سبيل المثال لا الحصر: أشاد مرشح الرئاسة الليبرالي حمدين صباحي بالقرار وكتب على صفحته بموقع «تويتر»: «تحية لقرار وقف تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني.. نتمنى استمرار تنفيذ القرار احتراماً لإرادة الشعب المصري وأحكام القضاء وحفاظاً على الثروة الوطنية»، إشارة صباحي للقضاء تتصل بحكم المحكمة الإدارية العليا الذي أبطل الأسعار المتدنية التي يصدر بها الغاز إلى إسرائيل بحسب الاتفاقية المذكورة، وكذلك وصف المرشح (الإسلامي) للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل في لقاء «قناة الحياة» بأنها: اتفاقية غير منطقية، لأن الشعب المصري رافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني ولا يجوز إجباره على التطبيع. وأكد أن من حق الشعب والبرلمان إعادة النظر في الاتفاقات الدولية، مشدداً على ضرورة اطلاع الشعب على نصوص اتفاقية كامب ديفيد التي لا توجد منها نصوص معروفة سوى تلك المتداولة في الإعلام، أما النائب السكندري في مجلس الشعب البدري فرغلي فأكد خلال لقاء له الليلة قبل الماضية مع «قناة دريم»، عندما سئل عن رأيه في إلغاء الاتفاقية أهو قرار تجاري أم سياسي بقوله: تصدير الغاز سياسة، وقطعه سياسة، لا تستطيع الهيئة العامة للبترول تصديره بدون قرار سياسي، ونظام مبارك هو من قرر تصدير الغاز إلى إسرائيل، وقطعه كان بقرار سياسي من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء، وعلل موقف المجلس العسكري في اتخاذ القرار بأنه ربما أراد أن يرد على من يزاودون عليه في الوطنية، أو ربما أراد أن يغادر الحكم بموقف وطني يذكره له الشعب ويسجله التاريخ.