ليس عيباً أن يصدر والي الخرطوم قراراً ثم يتراجع عنه، مثلما حدث بالغائه لوزارة الحكم المحلي وتراجعه أمس عنه بإعادتها، فالعيب في أن يخطئ الوالي ويتمادى في الخطأ، حتى لا يقال عنه أن قراراته مضطربة، وما يعجبني في د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم أنه قارئ من الدرجة الأولى لما يُكتب بالصحف، ومن الذين يقرأون السطور وما وراءها، وما بينها، ومن الذين يحترمون كل رأي مهما كانت حدته، لهذا لم نسمع يوماً عن مقاضاته أحداً، مثلما فعل آخرون قبله، ونجده يسارع باصدار توجيهاته أو تعليقاته حول كل ما يُكتب، كما هو مستمع ممتاز لآراء الناس، الذين ينظر من خلال مرآتهم إلى أدائه، فيجوده في الخرطوم، الممتلئة بالمشكلات، والتي كلما خلصت حكومته من مشكلة، واجهتها أخرى.. وهكذا فهي في ظل تدافع أهل الولايات اليها، تنوء بالمشكلات.. المهم أن د. الخضر لا يهاب التراجع عن أي قرار يصدره متى ما أدرك خطأ إصداره.. وقطعاً أن الغاء وزارة الحكم المحلي كان الضربة غير الموفقة للحكم المحلي، الذي بموجبه تدار الولاية عبر المحليات، فعندما يقول الخضر إن إعادته للوزارة جاءت لتطوير تجربة الضابط الإداري، وانجاح عمل المعاون الإداري، فإنه يصحح خطأً ولائياً بالغاء الوزارة، ويلفت الحكومة الاتحادية إلى خطأ تهميش دور الضابط الإداري، الذي بدأ على يد د. علي الحاج محمد، عندما كان وزيراً لديوان الحكم الاتحادي، والذي عمل من خلال القوانين والإجراءات إلى تقليص دور الضباط الإداريين، الذين كان الواحد منهم يدير محافظة لوحده في ضبط وربط، يعجز عنه الآن أغلب المحافظين بجيوشهم الكثيرة من الموظفين والعاملين.. وأذكر أننا خلال فترة تولي اللواء الزبير محمد صالح لمنصب النائب الأول للرئيس- قبل رحيله- قد وصلنا منطقة في أقصى حدود دارفور، اسمها (ملم الحوش)، وعرفنا من أهلها أنهم منذ الاستعمار لم يصافحوا مسؤولاً من الخرطوم بعد رحيل مستر مور الخواجة المستعمر الذي كان بالمنطقة، وأنهم يتعاملون فقط مع الضابط الإداري الموجود معهم، فالضباط الإداريون كانوا القيادة التي لو طورت لأفادت كثيراً، إلا إن القرارات الاتحادية هزمت تجربتهم، وجاءت بتجارب جديدة، لا تستند على أرضية قوية.. عموماً أن د. الخضر بقراره والتفاته للضباط الإداريين، يمكن أن يعيد للخرطوم شيئاً من قوة الإدارة، خاصة وأن محلياته لا تعرف شيئاً عن معتمديها، ولا نراهم في الطرقات والأسواق، ومع هموم الناس، وليت الدكتور يبدأ عمله بورشة: حول كيفية الاستفادة من الضباط الإداريين في تطوير الحكم المحلي، وحينها سيخرج بالكثير المفيد، الذي يصلح به حال القوانين والتشريعات الولائية، ويأتي بالقادرين على معالجة قضايا الخدمات، ولا أرى أصلح لوزارة الحكم من علي جرقندي الضابط الذي عمل في كل بقاع السودان، ثم عمل في تأسيس الحكم الاتحادي بديوان الحكم الاتحادي، وعمل بعد ذلك معتمداً لشرق النيل.