كما تعلمون صدر مؤخراً قرار جمهوري بإنشاء المجلس الأعلى للحكم اللامركزي بديلاً لوزارة الحكم الاتحادي كتطور طبيعي للتحول الدستوري للحكم بالبلاد.وعليه نستطيع أن نقول إن هنالك إيجابيات صحبت تجربة الحكم الاتحادي تمثلت في إنزال السلطات ومشاركة المواطنين في السلطة عبر الولايات والمحليات في كافة الأجهزة التنفيذية والتشريعية وأصبحت هنالك كوادر وصلت لأول مرة في تاريخها مرحلة المشاركة في السلطة. كذلك قابل هذا التوسع في الحكم الاتحادي، إنزال سلطات وموارد اتحادية للولايات لمجابهة عمليات التنمية والبناء في كافة المجالات. إلا إنه ما يعنيني في هذه الجزئية هو أمر الحكم المحلي الذي هو أساس الحكم الاتحادي والحكم اللامركزي الآن هذا المستوى من الحكم يحتاج لمراجعة دقيقة من ولاة الأمر بدءاً من السيد رئيس الجمهورية مروراً بالمجلس الأعلى للحكم اللامركزي نزولاً إلى ولاة الولايات الأمر الذي يتطلب عقد مؤتمر جامع للحكم اللامركزي تكون شؤون الحكم المحلي من أولوياته ولابد من مناقشة أمر المحليات كمستوى من مستويات الحكم وما آلت إليه الآن هل هو الأمل المرتجي أم لابد من مراجعات ؟! حلت المحافظات سابقاً بقرار جمهوري وتم إحلال المحليات سلطاتها الموجودة الآن في محلها حيث حل المعتمد في موقع المحافظ وتم إنشاء مجالس تشريعية بالمحليات غالباً يتم تعيينها بواسطة الوالي لتقوم بالدور الرقابي التشريعي في المحلية وتكون رقيبة على الجهاز التنفيذي بالمحلية.إلا إنه من الملاحظ في كثير من الأحيان غابت الرؤية الكلية لبعض المعتمدين في المحليات حيث أن معظمهم لم يتلق تدريباً كاملاً وشاملاً في شؤون الحكم والإدارة وبالتالي أصبحت هنالك اجتهادات غالباً ما تصطدم بالواقع ونجد أن المحلية بعد ذلك قد أصابها الشلل ثم الفشل التام. كذلك معظم المحليات غابت عنها الكوادر المدربة في كافة المجالات في الصحة والتعليم والشؤون الهندسية والزراعية والمالية حيث أصبح قادة الخدمة المدنية في الدرجات العليا يستعصمون برئاسة الولاية ولا يغادرونها للعمل بالمحليات الأمر الذي أدى للدفع بالكوادر غير المؤهلة والمدربة إلى المحليات الشئ الذي قعد بالمحليات بسبب غياب الهيكل التنظيمي والوظيفي بها فهنالك عدد كبير من المحليات لانجد في هيكلها غير المدير التنفيذي ومدير التعليم أما باقي الإدارات فهي خاوية وغالباً ما يتم ملؤها لعدم وجود كوادر تقوم بأمرها.تحتاج تجربة قانون الحكم المحلي للعام 2003م وهو الأساس الذي تقوم عليه المحليات الآن يحتاج إلى دراسة ومراجعة رغم أن القانون قد فصل السلطات والصلاحيات للجهازين التنفيذي والتشريعي ولأول مرة نجد أن هنالك فصلاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهو يعتبر من إشراقات هذا القانون إلا أن معظم الولايات لم تعمل بها ورد في الجدول الملحق بالقانون والذي تحدث باسهاب عن التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والشؤون الهندسية والزراعية والشؤون المالية وهي مسائل تحتاج إلى دراسة وإنزالها إلى أرض الواقع بالمحليات مع وجود كوادر فاعلة لتنفيذ هذا الجدول بالاضافة لوجود الهيكل الوظيفي والتنظيمي الواضح لأن السلطة كما نعلم تتنزل من أعلى عبر خط السلطة والذي يبدأ من المعتمد والمدير التنفيذي ثم مديري الادارات العامة إلى أدنى مستوى في المحلية. فالمحلية ليست المعتمد والمدير التنفيذي ورئيس المجلس التشريعي فقط، المحلية عبارة عن وحدة إدارية متجانسة يقوم بأمرها جميع العاملين متضامنين في انجاز مهامهم عبر رؤسائهم وهؤلاء يصرفون أعمالهم عبر المدير التنفيذي ثم المعتمد.وبالعودة لحديث الصحفي النابه الأخ عابد سيد أحمد في عموده «كل الحقيقة» قبل أيام مضت بصحيفة (آخر لحظة) وكان عنوانه «الخضر يتراجع» حقيقة اكتشفت ان هنالك عقولاًَ نيرة مازالت يهمها أمر الحكم المحلي وسلطاته. حيث ثمن غالياً الأخ عابد سيد أحمد رؤية الوالي عبد الرحمن الخضر في عودة وزارة الحكم المحلي التي كانت قد ألغيت بعد الانتخابات الأخيرة وهي وزارة مهمة وحساسة تقوم بأمر التنسيق بين أجهزة الحكم المحلي خاصة المحليات والوحدات الادارية وهي التي تضع الخطط والبرامج وتقترح القوانين ثم تنزلها لأرض الواقع بعد عرضها على الوالي. وأنا أقول إن هذه الوزارة مهمة وبعض الولايات ألغتها مثل شمال دارفور وأنا بدوري أطالب السيد الوالي عثمان كبر ان يتراجع كما تراجع الوالي الخضر لأنها أحدثت حراكاً بالولاية وملأت فراغاً في الخدمة المدنية. الأمر الثاني في هذه الجزئية هو إشراف وزارة الحكم المحلي بالولايات على جهاز الضباط الاداريين وهم الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها المحليات في إحداث التنمية ونجد ان هذه الشريحة أهملت وتعرضت للظلم منذ عهد الوزير الأسبق علي الحاج الذي سعى لتدميرها عبر تهميشها في قانون الحكم المحلي وعدم اسناد الأدوار المهمة لها. وبالتالي لم تجد حظها من التدريب والإهتمام الكافي حيث أصبح البعض يعتقد أنه بحلول المعتمد أصبح دور الضابط الاداري ليس مهماً وبالتالي حدث التهميش الأمر الذي قعد بالمحليات من أن تنهض بدورها في العملية التنموية والخدمية وأصبحت رؤية المعتمد خاطئة أم صائبة هي المسيطرة على المحلية ديدنه في ذلك «لا أريكم الا ما أرى».حقيقة نطالب من المجلس الأعلى للحكم اللامركزي دوراً جديداً يتناسب ومهامه وسلطاته الممنوحة من رئيس الجمهورية ويضع في أولوياته أمر هذه الشريحة المهمة وهي من أهم الموارد البشرية بالولايات. هنالك تجارب ثرة لقادة في الانقاذ حصدوا وبرزوا وحققوا نجاحاً باهراً على كافة الأصعدة وان كنت أعزو ذلك لمقدراتهم الشخصية وكاريزميتهم إلا انه نجد اللافت في الأمر اهتمامهم بشريحة الضباط الإداريين واستعانوا بها في تنفيذ مهامهم وقضاء أمورهم ومن هؤلاء القادة كمثال الأخ المهندس الحاج عطا المنان وهو معروف في أوساط الضباط الاداريين على مستوى السودان باهتمامه بهذه الشريحة منذ أن كان محافظاً لمحافظة نيالا مروراً بوزارة المالية لولاية الخرطوم انتهاءاً بتقلده منصب الوالي بولاية جنوب دارفور قبل الانتخابات. وأنا شخصياً أذكر عندما أتينا عام 2000م لمؤتمر نفرة الضابط الاداري الذي أشرف على قيامه الاتحاد العام للضباط الاداريين تمت دعوتنا بمبادرة من المهندس الحاج عطا المنان لوجبة عشاء بقصر الصداقة على نفقة ولاية الخرطوم وكان حينها وزيراً للمالية بولاية الخرطوم.الأمر الثاني عندما تولى أمر الحكم في جنوب دارفور أستوعب معه عدداً مقدراً من الضباط الإداريين في إدارة معسكرات النازحين وقرى العودة الطوعية وشخصي كان من الذين وقع عليهم الاختيار للعمل بإعمار القرى الطوعية وكانت تجربة ثرة تحتاج للتوثيق. وكذلك استوعب معه عدداً مقدراً من الضباط الإداريين بشركة شريان الشمال التي يرأسها مثل الاداري الفذ عماد رزق ليس هذا فقط بل حتى مشاريع المياه التي نفذها عبر المنظمة التي يرأسها استوعب فيها الزميل الإداري إبراهيم البدراني الذي نفذ مشاريع للمياه بدارفور تجد الاشادة والتقدير من كافة المستويات حتى الآن. بالإضافة لهؤلاء نجد رفيق دربه منذ أن كان محافظاً بمحافظة نيالا الأخ الإداري الضليع محمد بشير كرم الدين والذي عاصرته مديراً لمكتب الوالي بنيالا.وفي قمة الهرم نجد حتى رئيس الجمهورية يستعين بضابط إداري في إدارة مكتبه وهو الزميل الإداري طه والذي انتقل إلى جهاز الأمن الوطني قبل دخوله القصر الجمهوري. أخيراً نأمل في الدور المرتجى للمجلس الأعلى للحكم اللامركزي الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويقوم بالجانب التنفيذي فيه الوزير البروفيسور الأمين دفع الله الذي كان والياً سابقاً اللواية ان يولي اهتماماً واسعاً بمسألة الحكم المحلي والاستعانة بالكوادر المهمة في هذه المرحلة أمثال الإداري الفذ عمر جماع والذي شهد عملية الحكم الاتحادي ورعاها منذ أن كانت فكرة. هذا الاداري القامة الذي كان يعمل بوزارة الحكم الاتحادي وهو إضافة حقيقية في هذا المرحلة الحساسة والهامة والتي تتطلب تضافر الجميع للعبور بالسودان إلى مصاف الدول المتحضرة. üضابط إداري -وزارة مجلس الوزراء