في أمسية من أمسيات يناير الباردة كان فندق السلام روتانا يستقبل حدثاً ساخناً..الرئيس إدريس دبي تزوج من سودانية..العروس ليست من عوام أهل السودان بل كريمة الشيخ موسى هلال الذي ارتبط اسمه بالحرب الأهلية في دارفور..الرئيس البشير كان وكيلاً عن العروس في ذاك المساء فيما أناب عن دبي أحد أقاربه. زواج إدريس من أماني كان يحمل في متونه النصف الأحلى في العلاقة بين أنجمينا والخرطوم.. في ليلة مقدارها ألف عام وجد إدريس دبي أن المعارضة التشادية مسنودة بالدعوات الصالحات من الفريق صلاح قوش تحاصر قصره..لم يجد إدريس دبي غير أن يرتد بدوياً ويتكيء على القبيلة ثم يستنجد بقوات العدل والمساواة..بعدها بقليل يرد إدريس دبي الزيارة.. قوات العدل والمساواة تطرق أبواب الخرطوم بعنف. أمس كان البرلمان السوداني يناقش مشروع رد العدوان..المشروع دعى لقطع الصلات مع دولة جنوب السودان ومصادرة ممتلكاتها في السودان..البرلمان وضع شروطاً قاسية للتفاوض مع جوبا من بينها تغيير اسم الحركة الشعبية..ولم ينسى البرلمان بالطبع أن يعطي «النقارة عصا» إذ طلب تطبيق عقوبة للمخذلين من أهل السودان حدها الأدني خمس سنوات..عقوبة صنعت خصيصاً لما يعرف بالطابور الخامس..الطابور جماعة من الناس لا ترى بعيون الحكومة في التعاطي مع جوبا. في الوقت الذي كان يتشدد البرلمان في إستراتيجته كانت وزارة الخارجية تمارس فقه الضرورة في علاقتها مع جنوب السودان..الأستاذ علي كرتي وزير الخارجية أكد أن السودان لن يطرد الجنوبيين وسيفاوض جوبا حول الملفات الأمنية.. فيما أكد الناطق الرسمي باسم الدبلوماسية السفير العبيد مروح أن السودان لا يمانع من نشر مراقبيين من قوات «اليونسفا» على طول الحدود مع دولة الجنوب. ذات الصوت العقلاني جاء من دولة الجنوب.. دينق ألور وزير شؤون الرئاسة أعرب عن استعداد حكومته للعودة فوراً لطاولة المفاوضات.. دينق ألور ومن طاولة مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي أكد أن التسوية السلمية للمشكلات تظل أفضل الخيارات. في تقديري أن الحكومة السودانية مطلوب منها أن تستخدم سياسة حذرة تجاه دولة جنوب السودان..سياسة تجعل الجيش السوداني قادر على تسديد ضربات موجعة للعدو إن حاولت جوبا اللعب بالنار.. وفي ذات الوقت مد خطوط التواصل مع شعب جنوب السودان.. هذا التواصل يبنى على قاعدة أن الخلاف مع الحركة الشعبية لا مع شعب الجنوب الشقيق.. وبالتالي تصبح إستراتيجية الحد من التواصل الشعبي عبر الحدود إستراتيجية قصيرة النظر لا تراعي للمستقبل. تصميم إستراتيجية تعمل على كافة الصعد يصبح أمراً حيوياً.. سيكون تأمين تصدير النفط السوداني أكثر كلفة إن لم تكن حكومة الجنوب صاحبة مصلحة في تدفق الزيت السوداني.. قطع شريان التجارة بين الشمال والجنوب لن يتوقف ضرره على النخبة الحاكمة في جوبا بل سيتمدد ويصيب مصالح القبائل الحدودية وربما يصنع تمرداً جديداً من قبائل كانت دائماً تستجيب لنداء الحكومة عند الملمات. ربما يعيد التاريخ نفسه ويعود سلفاكير إلى الخرطوم ونغني مع المغني«سلفا حالف يضبح تور».