الشمس توشك على المغيب... كتلة من اللهب المجمر الحواشي... يحضن الأفق المترامي... في مودة وسكون... «يا للغروب وما به من عَبرة للمستهام وعِبرة للرائي».. الليل يدلف رويداً رويداً يخطف آخر أنفاس الشعاع المنصرم ويدسها تحت ردائه الحالك كالجبروت..! الكل ينصت للسكون، ويتوق للسكينة. تهفو الأجساد المكدودة من رهق العيش، والبحث في مناكب الأرض عن الأرزاق وعمارة الكون للراحة.. فالليل واحة نستفيء بها.. نخلد فيه للنوم... لنستجمع قدراتنا.. ونستعيد نشاطنا وحيويتنا!.. وما أن يتسلل أول شعاع من نور ليفضح سكون الليل... حتى نعاود رحلة الدوران من أجل العيش في دنيا كل ما فيها متحرك في نظام طردي لا يختل جزء من الثانية... «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون»..! إذن للجسم نظام إلهي مبرمج منذ أن خلق الله الكون لا ينبغي له أن يختل.. فالجسم ساعة بيولوجية داخلية، فالغدة الصنوبرية الموجودة في الدماغ هي تنظيم إيقاعات الجسم البيولوجية وتتفاعل مع دورة الأربع وعشرين ساعة وتفرز هرمونات محددة. وظيفتها إبلاغنا عن احتياجاتنا... متى نخلد إلى النوم متى نستيقظ... مثل هرمون الميلاتونين!.. أو هرمون النوم الذي يجعلنا نشعر بالنعاس.. ويزداد إفراز هذا الهرمون في الساعة التي تعودنا النوم أو الاستيقاظ فيها... ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن محاولة تغيير الساعة البيولوجية بجعل الليل نهاراً والنهار ليلاً... مثل الذين يتطلب عملهم البقاء مستيقظين طوال أو جزءاً من الليل وبالتالي محاولة تعويض ذلك بالنوم أثناء النهار، فإن ذلك يؤدي إلى خلل هرموني كبير مما يساعد على زيادة احتمال الأمراض المزمنة وفي بعض الأحيان الموت المفاجئ... وقد أشارت ذات الدراسات إلى ضرورة اتباع الساعة البيولوجية... ومن آثار مخالفتها أيضاً هبوط القدرة والنشاط... والخلل في وظائف الدماغ على المدى الطويل...! فلابد لهؤلاء من محاولة تقليل تلك الآثار بممارسة الرياضة بشكل يومي.. وسماع الموسيقى.. والجو الروحي.. مما يعزز من إفراز الدماغ ل«الاندورفينر» وهو هرمون يرفع المعنويات ويحسن المزاج.. كذلك من المهم جداً تناول أحماض الأوميقا (3) التي لا ينتجها الجسم بل يحصل عليها من الأطعمة البحرية.. أو في شكل كبسولات يومية فهي تلعب دوراً أساسياً في تمكين الدماغ من أداء وظائفه بشكل جديد وتساعد في تحفيز الذاكرة.. وقد استخدمت كعلاج «لمرضى الزهايمر» وأثبتت فاعلية ظاهرة..! زاوية أخيرة: ما من إنسان في الدنيا حقق وأنجز كل ما يريد حتى مماته.. فاربأ بنفسك.. فلو واصلت الليل بالنهار لن تنال من الدنيا إلا ما قسمه الله لك.