لقد اختلف الناس حول التعليق الذي كان يقدمه المقدم يونس من خلال الإذاعة، وحسب ما نذكر فقد كان حاداً وقاسياً ومباشراً، وفيه الكثير من التهديد والوعيد، وفيه ألفاظ وأوصاف وتعابير تتجاوز كل الحدود والأعراف، وكان البعض يؤيد ذلك المسلك والنهج، باعتبار أن مرحلة الشرعية الثورية تقتضيه، وأن تلك المرحلة تحتاج الى تجاوز كثير من الأعراف وفن القوانين نفسها، وقد كان تعليقه يبدأ ب(أيها الشعب السوداني البطل)، ولكن أهل المعارضة في تلك الفترة كانوا يعتبرون أن الإنقاذ قد قضت على جزء كبير من الشعب السودان بالاعتقالات والمجاعات والتشريد، فحولوا مقدمة التعليق الإذاعي الى (أيها الشعب السوداني الفضل)، إنها مكايدات السياسة التي تتجاذبها أطراف النزاعات السياسية، ثم تلت تلك المرحلة مرحلة الشرعية القانونية، ثم الشرعية الدستورية، ففي مرحلة سيادة القانون تقنن أمر الاعتقالات، وأصبحت النيابة طرفاً فيها، واقتضى ذلك تحديد فترة الاعتقال ومدة تجديده، فكانت تلك نقلة كبيرة في مسار الإنقاذ، وهي مراحل وتدرجات تمر بها كثير من الثورات وحتى الانقلابات، وفي فترة التحول للمراحل الجديدة اختفى صوت المعلق الإذاعي المقدم يونس وبدأت بعض أطراف المعارضة تتحاور مع الإنقاذ، ومن تلك مجموعة الشريف الهندي، وقد قرأت مرة مقابلة صحفية مع المقدم يونس تحدث فيها عن مشاعره في تلك الفترة، وكيف أن مهنيته العسكرية المؤيدة للإنقاذ كانت تكمل أداءه، بالإضافة الى مقدراته الإعلامية، ولست أدري أين هو الأخ يونس الآن، وقطعاً يكون في هذه السنوات الطويلة قد اعتلى درجات الترقي الى الدرجات الأعلى، ولن يكون مقدماً حتى الآن، وقد أفادني أحد الاخوان بأنه يعمل بإحدى القيادات بإحدى مدن الشرق فالتحية له أينما كان. وفي الفترات التي تلت ذلك اشتهر بعض الكُتاب بالنقد المغلف، انطلاقاً من موقف الكاتب نفسه أو الايدلوجيات التي تدفعه، ولكن البعض استهدوا باللغة المباشرة والوضوح والصراحة والكتابة ببراءة وحسن نية، وهنا لابد أن أشير الى الأصدقاء الزومة، وحسين خوجلي، فقد ظلت كتاباتهما في تلك الفترات رغم ما فيها من نقد لاذع في كثير من الأحيان، وحديث لاذع إلا أنه نقد مقبول، لأننا نعرف سريرتهما وبهذه المناسبة فإن لي قضية مع الأخ حسين خوجلي ترجع الى الثمانينيات، وذلك عندما كنت أعمل مساعداً للمحافظ بمنطقة مروي، وبذلك كنت مسؤولاً أولاً في تلك المنطقة، وقد تصادف إن زار المنطقة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني فقابلته في المطار بصفتي الرسمية، رغم انه كان يمثل معارضة لنظام مايو، فسلمت عليه باحترام، التقطت صحيفة ألوان تلك اللحظة ونشرتها بالصفحة الأولى وتحتها تعليق (أرفع راسك حرر نفسك يا مساعد المحافظ)، إننا في الإدارة تعلمنا كيف نحترم الكبار، وقد كان الضيف مولانا الميرغني هو الزائر لمنطقة تعتبر منطقة نفوذ كبير، فكان لابد أن نقابله ونحترم وفادته، بل إننا كسلطة أشرفنا على وضع برنامج زيارته من ناحية الحفاظ على الأمن. إن دور الكاتب الصحفي مهم لتعبئة الرأي العام، ولكني أرى الآن أن هناك صحفيين وكتاباً يميلون الى الهجوم والتجريح، وهم يعتقدون أن ذلك هو الطريق لنجاحهم، ولفت الأنظار اليهم إنني أعتقد أن الالتزام بأخلاقيات المهنة هو الطريق للنجاح، ولن ينجح الصحافي في تلميع نفسه إذا انحرف عن ذلك.