تعتبر إتفاقية نيفاشا للسلام 2005 هي الإتفاقية التي أتت بالحركة الشعبية من الأحراش إلى قيادة العمل السياسي بالدولة بالمشاركة مع حكومة الخرطوم، وقد شهدت العلاقات بين طرفي الإتفاقية حالات شدّ وجذب في كثير من القضايا إلى أن تم حسم الأمر بالإستفتاء للإنفصال الذي مكن الحركة الشعبية من الجلوس على سدة الحكم في الجنوب، الأمر الذي تنفس على أثره الصعداء كثير من الداعين إلى الإنفصال بين الجانبين. وكان أمل هؤلاء أن يتعايش الطرفان في سلام وأن يعملا على إقامة علاقات طيبة تقوم على حسن الجوار وتبادل المنفعة وتحقيق التكامل الإقتصادي بالنسبة للدولتين. ولكن هيهات تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لتعود رياح الحرب التي تقلب الأرض رأساً على عقب مما يباعد الشقة بين الطرفين ويجعلهم على حافة الهاوية والعودة إلى مربع الحرب. وهذا ما أكدته أحداث هجليج التي نفذتها قوات الحركة الشعبية بضربها لمنشآت النفط في محاولة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة واستنزاف الإقتصاد السوداني بعد أن عجزت عن التوصل لإتفاق بشأن مرور النفط الجنوبي عبر أراضي الشمال وكمحاولة للضغط على الحكومة في الشمال مقابل التنازل عن أبيي، الأمر الذي أثار غضب جموع الشعب السوداني ليخرج ملبياً لنداء الجهاد والخروج إلى الشارع فرحاً بعودة هجليج إلى حضن الوطن، هكذا كان رد الفعل الشعبي.. ولكن ماذا كان الرد الرسمي للحكومة، فقد كان غير متوقعا فحتى ألّد أعداء الحركة الشعبية لم يتوقعوا أن يقوم الرئيس عمر البشير بإعلان تحرير الشعب الجنوبي من حكم الحركة الشعبية وإزالتها من سدة الحكم في جوبا، وبالطبع فإن هذا الكلام أحدث الرعب والخوف في قلوب قيادات الحركة، خاصة بعد أن تلقت خسائر في الأرواح والمعدات وخسرت الكسب السياسي والدعم الشعبي الأمر الذي جعل معارضيها ومواطنيها يلومونها على تلك الخطوة الإنتحارية التي أقدمت عليها، وعلى إثرها أصبحت الحركة تواجه حرباً في عدة جبهات، فهناك قوات الثوار بقيادة العقيد فوزي قبريال تشن هجماتها على مدينة بانتيو، وهناك تحركات ومطاردات الجيش السوداني لها على الحدود حيث اعتبر عدد من المراقبين أن الخطوة التي قامت بها الحركة واحتلالها لمدينة هجليج هي فعلاً فتحت عليها النار التي ليس لديها قدرة على إطفائها. وقال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي د.جمال رستم إن الحكومة السودانية إقتنعت تماماً أن التفاوض مع الحركة الشعبية لا يمكن أن يفضي إلى اتفاق بعد أن قامت الحركة بإحتلال هجليج واحتواء المعارضة والحركات المناوئة للسودان، ومن الطبيعي إذا تأزمت الأمور بين دولتين لدرجة يصعب معها التواصل يكون هدف كل نظام إسقاط النظام الآخر.. وذهب رستم إلى أن الجنوب مدفوع من الغرب ويقوم بتنفيذ أجندة أمريكا وإسرائيل مع كونه دولة فقيره وفي مراحل التكوين، ولكنه يتلقى التهم من الخارج وأكثر ما مكنه من ذلك هو عدم موالاة السودان للمعسكر الغربي، والمعروف أن الجيش السوداني أقوى من جيش الحركة والجنوب فقد إيراداته التي تقدر ب98% من النفط، وعليه توفير المقاتلين ولهذا يجد الجنوب الدعم أيضاً من يوغندا. وقال رستم إنه لا يستغرب من تحركات سلفا كير إلى الصين وذلك بحكم البعد الدولي والعلاقات التي تتميز بها الصين مع الخرطوم، والصين من مصلحتها أن ينتهي الصراع بين الطرفين وأكد رستم أن سلفاكير ذهب إلى الحرب وترك التأسيس والتكوين لدولة وليدة مما جعل إتجاه الشعب الجنوبي تجاه الحركة سلبي وهذا يخلق صراعات تزيل الحكومة نفسها وذلك بحكم البعد القبلي، و بعد الخناق الذي سيواجه الجنوبيين من حكومة الشمال في قفل الحدود والتجارة والهجرة وهذا يجعل صورتها سيئة مما يزيد من إحتمال خسران العلاقات الدولية والإقليمية.