وأنا مثلك تماماً.. يا صلاح، وأنت تنوح.. لو تصدق إنو عمري أصلو في يوم ما ابتسم.. إلا لما شفتك إنت وكنت لي.. أجمل نغم.. أما أنا.. لو تصدقوا عمري ولربع قرن من الزمان.. ما ابتسم.. إلا البارحة.. ونسمات من مدينة النور.. تلك التي وهبت الدنيا.. روجيه دوبريه.. ثم أردفته بسارتر.. تهب هذه النسمات.. من ميدان الكونكورد.. تمر تحت قوس النصر.. تلثم قمة ايفل.. والقصر الرئاسي.. قصر فيرساي.. يفرد ذراعيه رحيبة لاحتضان.. «فرانسوا هولاند».. ذاك الذي أعاد ذكرى «ميتران».. ونثر على ضفتي النهر العظيم.. أزهاراً حمراء.. عابقة الأريج.. فائقة البريق.. الآن فقط.. بدأت قلاع الرأسمالية المتوحشة تتصدع.. والآن فقط صحح التاريخ مساره.. والآن دب الأمل في قلب الدنيا.. لتعود الى سطح الأرض.. تلك الأقدام الفولاذية.. التي تصنع الحياة.. نعم كانت ملحمة هائلة.. وانتخابات عاصفة.. وديموقراطية راشدة.. حقيقية ونظيفة.. تابعها العالم.. بأسره.. بقلوب واثقة وأخرى واجفة.. وكثير منها مشفقة.. لم نكن نعرف مَن الفائز.. مَن الرابح.. مَن المهزوم.. مَن الخاسر.. فقط لأنها هكذا هي الديموقراطية.. تلك التي لا تكذب ولا تتجمل.. هي الديموقراطة تلك الشفافة على صناديق الاقتراع الشفيفة.. هي الديموقراطية الحقة.. والتي ينتصر فيها المنتصر.. وهو لا يحلم بأن يحرز أكثر من واحد وخمسين في المائة.. وحتى ديجول.. ذاك الذي قاتل في الجبال والمنافي والخنادق.. ذاك الذي دحر النازي.. ثم أقام الجمهورية الخامسة.. طلب الرجل يوماً تفويضاً من الشعب الفرنسي.. ليطلق يده.. اشترط الرجل وأعلن أنه لن يقبل بأقل من 68% وأية نسبة أقل من هذه تتبعها استقالته الفورية.. ولأن الديموقراطية هناك لا تقبل مثل ذلك.. فقد أخفق الرجل في الحصول على تلك النسبة.. فكانت الاستقالة التي لا يعرف لها العالم الثالث طريقاً.. نعم.. أنا الآن ابتسم سعيداً.. وفرنسا تدخل مخزن التاريخ.. تنفض الغبار عن تلك الرايات المطوية.. تفرد الرايات.. تضعها أعلى السارية ترقص مع دفقات الريح.. سعيد بهذه الضربة الموجعة الى اليمين، الذي ظل يدور في فلك القطب الواحد- أمريكا- سعيد و«هولاند» يحي الأمل في قلوب الشرفاء.. بأنه لا مستحيل تحت الشمس.. سعيد وعجلة التاريخ تدور مرة أخرى نحو الشرق.. سعيد وأن جرثومة النضال حتى عبر أوراق الاقتراع.. سوف تنتقل من قطر الى قطر حتى تجتاح كل أوربا.. الآن فقط سوف تنهض قلاع القطاع العام.. الآن فقط.. سوف تمشي العدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب.. سعيد لأن فرنسا الرسمية سوف تكون أبداً بجانب الشعوب المسلوبة إرادتها.. المنتهبة ثرواتها.. المنتهكة أرضها.. هذا هو سر ابتسامتي.. فرحاً.. سعادة.. وحبوراً.. أما الوجه الآخر من ابتسامتي.. هي السخرية حد الضحك من كل انتخابات العالم العربي.. المسكين.. كيف ذلك.. أولاً.. أن العالم كله لم يعلم.. وما كان له أن يعلم بنتيجة معركة فرنسا إلا بعد ساعة من فرز الأصوات.. أما هنا في عالمنا العربي، وفي أمتنا العربية المجيدة يعلم الناس بالنتائج حتى قبل أن توضع بطاقة اقتراع واحدة.. والنتائج أبداً تتراوح بين ثمانين بالمئة و99%.. أما الذي أتى بما لم تستطعه الأوائل، هو الراحل صدام حسين، ذاك الذي أحرز 100%.. يعني أن عراقياً واحداً في كل الكوكب.. لم يقل.. لا.. وعاشت الديموقراطية العربية الراشدة.. تلك التي لا يرسب فيها حاكم واحد..