سالت دموع الطيب صالح في آخر توثيق تلفازي عندما تحدث عن الوطن.. ولكن الوطن جار على الأديب الطيب يوم أن قامت عصبة من ولاة الأمر ورأت في أدب الطيب صالح «قلة أدب».. رد الأديب بعنف وأطلق كلمته ذائعة الصيت «من أين أتى هؤلاء؟».. في نهاية الرحلة تنازل الثوار واحتفوا بالطيب في عاصمتهم الخرطوم. ذات التربص واجهه الفنان الكبير محمد وردي حينما اتخذ من المنفى وطناً.. وردي غنى لكل الثورات والإنقلابات باستثناء الإنقاذ.. بعد سنوات من الخصومة ثابت الإنقاذ إلى الرشد.. عاد وردي إلى الوطن.. بلغ احتفاء الثورة به أن يكون الرئيس المشير البشير آخر شخصية عامة تزور الفنان وردي قبيل رحيله إلى الرفيق الأعلى. نشرت الزميلة الأهرام اليوم خبراً مفجعاً.. مجلس المصنفات الفنية والأدبية رفض إجازة قصائد لخمسة من فحول الشعراء.. من بين الذين سقطوا في امتحان أفندية المجلس الأستاذ مدني النخلي و الرائع أزهري محمد علي والشاعر المرهف التيجاني حاج موسى والهرم الأكبر عبدالله البشير.. السر دوليب عضو لجنة التقييم أفاد في تعليقه لمدني النخلي أن لاشيء يعيب هذه القصائد وأن الرفض تم لأسباب لا يصلح الإفصاح عنها.. ثم استدرك دوليب « ما انت عارف » . مهنة النشر باتت عرضة للتحرشات.. الآن الصحافة السودانية تعاني الأمرين مع الحكومة والسوق.. عشرات الزملاء يجلسون في رصيف العطالة..البرلمان يلاحقهم بقوانين ترى في ملاحقة الأخبار ضرباً من الجاسوسية.. غول الأسعار جعل الصحف تأكل من لحمها وتقلل من عدد الصفحات حتى لا تصبح خارج متناول القراء الأكارم.. هل اكتفت الحكومة من نهش لحم الصحفيين واتجهت للشعراء والأدباء.. من قبل منعت السلطات أكثر من رواية للكاتبة الشابة أميمة عبدالله.. عندما ضاقت أرض النيلين بأهلها وجدت أميمة براحاً وسعة في مملكة الهاشميين التي طبعت لها آخر رواية بعنوان «نور القمر». قبل أيام دشنت وزارة الثقافة عدداً من الكتب.. نُشر كتاب يجب أن يجد الاحتفاء والتقريظ.. ولكن زميلنا العزيز يوسف عبدالمنان شن من أخيرة صحيفة المجهر هجوماً على الحدث لأن من بين الكتب كتاب احتفى بلغة الزغاوة وآخر مجّد من التراث النوبي.. الصحافيون بدلاً من أن ينتقدوا الرقابة والتضييق باتوا ينتقدون الحكومة إن تفسحت في مجالس الحرية. دائماً استغرب لموضة الأجهزة الرقابية التي صنعتها الإنقاذ.. مجلس للصحافة لا يشاوره أحد.. وديوان للمصنفات يجعل من أفنديته أساتذة يراجعون ويقيِّمون إنتاج من هو أكثر منهم علماً ودراية.. الأصل في كل إلا عامل الإباحة القيد استثناء إلا في عهد الإنقاذ.. إنتاج كتاب يحتاج إلى رخصة وكتابة مقال تستوجب قيداً. الحرية أصل الإبداع وأساس التكليف.. الصلاة لا تؤدى إن كان المصلي حابساً للبول.. ومن قبل أفتى الشيخ الترابي بأن لا رأي لحبيس.. الذين يصنعون من الوطن سجناً عالي الجدران سيحاسبهم التاريخ. أخي وزير الثقافة سجل موقفاً مشرفاً وقم بحل مجلس المصنفات قبل أن يهاجر مبدعو بلادي بإنتاجهم إلى بلاد بلا قيود وبلا مجالس.