لا تدعي معرفة شخص ما بشكل دقيق إلا إذا ترافقتم في أسفار حتى ولو كانت لفترة زمنية قصيرة.. فالمثل السوداني يقول من لم تسافر معه فإنك لن تعرفه جيداً.. فالأسفار وحدها التي تبرز محاسن ومساويء رفيق السفر.. حيث يبقى على طبيعته ودون تكلف أو اصطناع.. فتزول كل المساحيق إن كانت في الأصل موجودة.. فلقد ترافقنا والصديق الدكتور التيجاني السيسي في رحلة سياسية إلى تونس في نهاية تسعينيات القرن الماضي.. ومكثنا في فندق واحد قرابة الأسبوعين وكنت قبلها أعرف السيسي جيداً في القاهرة وكثيراً ما نلتقي في اجتماعات التجمع الوطني الديمقراطي وفي مناسبات سياسية واجتماعية مختلفة.. ودائماً بيننا حوار وحديث حول الشأن السوداني فيه الكثير من التقارب في وجهات النظر والأفكار الجديدة.. وكنت دائماً أسعد بلقائه لما له من صفات حسن الاستماع للرأي الآخر والحكمة في تناول الأمور السياسية مما جعله محبوباً من كافة المعارضين في ذلك الوقت.. ومن مختلف ألوان الطيف السياسي.. وحينما ترافقنا في السفر إلى تونس الخضراء ازدت معرفة بالتيجاني السيسي أكثر وأكثر ووجدته صورة طبق الأصل من ذلك الرجل الذي التقيت به في القاهرة.. بل أكثر صراحة وبساطة وحباً للوطن. والسيسي الذي شغل منصب حاكم كل دارفور بولاياتها الخمس الحالية.. كان في استقبالنا بمطار الفاشر عام 1988م ونحن في معية مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي.. وتفرغ لنا تماماً ولم يفارق مولانا في كل جولاته مؤكداً وطنيته برغم انتمائه لحزب الأمة في ذلك الوقت.. إنني أقول كل ذلك لأشير لكل أهل السودان أن الدكتور التيجاني السيسي أكبر مكسب على طريق معالجة الأزمة الدارفورية وأهم كرت سياسي في بلادنا.. فالرجل له قبول إقليمي ودولي.. وخير شاهد على ذلك مرافعاته التي قدمها في الولاياتالمتحدةالأمريكية إبان زيارته الأخيرة والتي غيرت الكثير من المفاهيم عند الأمريكان.. كما كل لقاءاته بسفراء الاتحاد الأوربي كانت فتحاً جديداً للسودان غير محبة القطريين له والذين وثقوا تماماً في قدرته على إخراج دارفور من ذلك النفق المظلم. إن التيجاني السيسي ليس عبد الواحد وليس مني أركو مناوي وليس طالب مال أو جاه.. فقد ترك بريطانيا التي كان يعمل أستاذاً في جامعاتها من أجل دارفور ومن أجل أن يستقر السودان وينهض إلى الأمام ليصبح هو الآن الكرت الأخير في معالجة الأزمة الدارفورية وآخر فرصة للسودان حتى يضمد جراحه القديمة ويسدل الستار نهائياً في وجه تلك الحروب التي صارت حديث كل العالم وبكل اللغات.. وبالتالي من واجب الدولة أن توفي بكل التزاماتها تجاه سلام دارفور الذي أبرم بالعاصمة القطرية الدوحة.. فأنا أحزن كثيراً حينما يقول السيسي إن الدستوريين في دارفور من حزبه يتنقلون «بالركشات» في حين أن الدستوريين في الخرطوم تخصص لهم أكثر من عربة.. ولكن المهم في كل ذلك أن لا نخسر الدكتور التيجاني السيسي الذي عاد للوطن بقلب مفتوح من أجل معالجة الأزمة الدارفورية والإسهام في معالجة كافة قضايا الوطن.. فيا أهل السلطة عضوا على السيسي بالنواجذ.. فهو الأمل الوحيد والأخير لاستقرار دارفور.