بلغني النبأ الحزين عند التاسعة من صباح الأمس، في الطريق ما بين الخرطوم ومدينة ود مدني، لأداء واجب عزاء، وقد بدأت رحلتنا باكراً ومعي عدد من أفراد أسرتي، وأخبرتني شقيقتي الأستاذ منى أبو العزائم، أن خبراً بلغها للتو يفيد بوفاة الفنان الأستاذ نادر خضر، وطلبت إليها أن تتثبت من صحة الخبر إذ أن أجواء الخرطوم والمدن السودانية، وكل روابط الشبكات العنكبوتية «مسممة» هذه الأيام بنشر الشائعات الضارة، والأخبار غير الصحيحة في حق كثير من المبدعين، إما محاربة للشخص محل الشائعة، وإما عبثاً بمشاعر أهله ومعجبيه، أو نوعاً من الحرب القذرة لتشويه صورة نجم ما في حال نشر أخبار ضارة ومؤذية. كنت قد أغلقت هاتفي، لأسكت صوته تماماً، وهذا ما أفعله عادة عندما أكون سائقاً لمسافات طويلة، لذلك لم أتوقع أن أتلقى رسالة تؤكد أو تنفي ذلك الخبر الحزين. قمت بإدارة المذياع لسماع نشرة الساعة التاسعة صباحاً في الإذاعة السودانية التي تتضمن إذاعة الوفيات، ولم يرد نعي رسمي أو خبر عادي عن وفاة الأخ والصديق الفنان نادر خضر، لكنني سرعان ما أدرت المؤشر نحو الإذاعة الرياضية (إف إم 104) لمعرفتي باهتمامها بنشر أخبار النجوم، فتأكد لي النبأ الحزين، وعلمت بالتفاصيل التي أضحت معلومة للكافة.. حمدت الله وسألته الرحمة والمغفرة للفقيد العزيز، وزاد من حزني أنني لم أكن في وداعه، إذ أن واجب عزاء آخر كان ينتظرني في مدينة ود مدني التي ودّعت المرحوم محمد عبد الرحيم أحمد طه - رحمه الله - الذي وري جثمانه الطاهر ثراها قبل يومين. عدتُ بذاكرتي لأول لقاء جمع بيني وبين الأخ الأستاذ نادر خضر في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، وكان عائداً لتوه من دولة الإمارات العربية، وكنتُ وقتها مديراً لشركة المرئيات بالخرطوم التي تجاور مكاتبها مكاتب صحيفة (عالم النجوم)، وكنت أكتب زاوية يومية في صحيفة (أخبار اليوم) الغراء وأراسل عدداً من الصحف والمجلات العربية. جاءني صديقي الأستاذ العوام قسم السيد مدير عام صحيفة (عالم النجوم) وقتها ومعه المرحوم نادر خضر، وعرفني عليه، وبدأت علاقتي به منذ ذلك التاريخ وحتى وفاته، وقد عرفت فيه جوانب إنسانية عظيمة وعميقة، وعرفت فيه اهتماماً ب(الواجب) تجاه الأهل والأصدقاء والمعارف.. ووجدته رجلاً فناناً لماحاً شديد الذكاء، وقويت معرفتي أكثر به، بعد أن علم بالعلاقة التي تربط بيني وبين بعض من أبناء دفعته الذين درسوا في الجامعات الهندية - بونا تحديداً - واكتشفت في الراحل المقيم خفة ظل قل أن تجدها عند غيره، حتى أنه عندما هاجمه بعض النقاد واصفين طريقة أدائه ب (الأثيوبي)، قال ساخراً: (يا جماعة أنا جعلي.. وما جعلتي). نادر خضر الذي رحل ولم أودعه أو أقف على قبره أدعو له، - ينحدر - لمن لا يعرفه - من دوحة الكتياب، وهو على صلة قريبة ورباط قوي بالشاعر الكبير التجاني يوسف بشير، وبالشعراء صديق المجتبى وعبد القادر الكتيابي وعبد المنعم الكتيابي وعموم الكتياب الذين ظل يفخر بهم، كما ظلوا يفخرون به دائماً. والراحل المقيم تالٍ مجوِّد للقرآن الكريم، ومحسن يصل عطاؤه سراً في كثير من الأحيان للمحتاجين، وكان من أكثر الناس حرصاً على حث أصدقائه ورفاقه لأداء فريضة الفجر في وقتها. اللهم ارحم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نادر خضر، واغفر له وارحمه رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناتك يا الله يا أرحم الراحمين مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. آمين ..