خططت يوم أمس لأكتب تعليقاً على مادة نشرها الأستاذ علي نايل، في عدد الاثنين ب«آخر لحظة» عن ضرورة كفالة حرية الرأي داخل البرلمان، والتي استشهد فيها بمطالبة عضو البرلمان السيد علي أبرسي بضرورة الانفتاح على أوربا والولايات المتحدة والغرب حتى نخرج من هذه الأزمات، استناداً على أن الإسلام لم يمنع أو يحظر التعامل مع غير المسلمين.. وقد جرّت تلك الآراء الجريئة اللوم والتقريع والعتاب للسيد النائب المحترم من قبل قيادات البرلمان، وهو ما عده السيد علي نايل مصادرة لحق العضو البرلماني الأصيل في التعبير عن رأيه في القضايا الوطنية والعامة.. لكن حدثاً آخر حوّل بوصلة القلم نحوه، وهو حصولي - أخيراً - على مذكرات الرائد «م» زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، عضو مجلس قيادة الثورة في انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969م، والذي تحل ذكراه الثالثة والأربعون بعد يومين فقط، ولحصولي على هذه المذكرات التي نشرت بعد وفاة الراحل زين العابدين - رحمه الله - قصة تستحق أن تروى. كتبت أكثر من مرة عن بحث أقوم به حول نظام مايو، والانقلابات التي واجهته، خاصة انقلاب الرائد هاشم العطا ورفاقه - رحمهم الله - وأشرت إلى أنني اتفقت مع السيد الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم «رجل المهمات الصعبة» في مايو، على أن يملكني الكثير من المعلومات الخاصة بتلك الفترة، وذكرتُ ضمن ما ذكرت أن الرائد المرحوم زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، سبق أن أخبرني يوم الاحتفال بعودة الرئيس الراحل نميري إلى السودان في منزله بود نوباوي، أخبرني بأن مذكراته جاهزة وأنه سيقوم بطباعتها في الخارج، وأنها ستحتوي على أسرار خطيرة وآراء جرئية حول أسباب سقوط مايو في أبريل من العام 1985م. مرّت الأيام، وانتقل الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر إلى ربه عام 2005م، وكنتُ قد التقيت به آخر مرة في عزاء ابن عمنا المرحوم الكابتن سامي عز الدين، بالخرطوم في العمارات، ثم لحق به بعد فترة قصيرة الرائد زين العابدين، ولم تكن مذكراته قد صدرت بعد، لكنها صدرت لاحقاً بعد وفاته بفترة قصيرة، وقد علق عليها بعض الصحفيين والنقاد وكتاب الرأي، ولم أحصل على نسخة من تلك المذكرات رغم بحثي الدؤوب عنها، وقد وعدني بعض الأساتذة بإهدائي نسخة من تلك المذكرات، حيث ظللت انتظر تحت ظلال الصبر طويلاً. بالأمس دخلت مكتبي في الصحيفة متأخراً بعض الشيء، ووجدت ضمن بريدي اليومي مذكرة صغيرة مرفق معها نسخة من كتاب (مايو.. سنوات الخصب والجفاف).. مذكرات الرائد (م) زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، وعلى المذكرة اسم السيد (علي عبد الله علي) المعروف باسم تكاوي، وإلى جانب الاسم رقم هاتفه الجوال. لم أصدق عيني.. فقد أصبح حلم الحصول على تلك المذكرات حقيقة، ومن فرط الانفعال لم أقم - كما هو مطلوب - بالاتصال بالأستاذ علي تكاوي لشكره على هذه الهدية العظيمة، بل أخذت أقلب - بنهم - في صفحات الكتاب، وبعد أن أشبعت بعض فضولي أجريت اتصالاً هاتفياً بالأستاذ علي تكاوي، ولم يرد، لكني بعثت إليه برسالة شكر هاتفية (sms) ثم عاودت الاتصال لاحقاً فرد، فشكرته شكراً جزيلاً، وعلمت أنه كان ملازماً للسيد الرائد زين العابدين منذ العام 1984م وحتى لحظة وفاته في عام 2005م. الآن.. ذكرى «مايو» على الأبواب، وقد استوقفتني إشارات الراحل زين العابدين محمد أحمد عبد القادر من خلال مروري السريع على المذكرات، إلى تسارع خطوات الرئيس نميري - رحمه الله - في وضع قوانين سبتمبر بالاتفاق مع النيل أبو قرون الذي رشح له صديقيه - كما ورد في المذكرات - عوض الجيد محمد أحمد وبدرية سليمان، وهيأ لهم مكتباً في القصر الجمهوري.. وقال الرائد زين العابدين، إن النميري شكل لجنة سرية لقوانين سبتمبر، وآثر أن يفاجيء بها الناس وكأنما هي (سر حربي) يخشى عليه من التسرّب إلى الأعداء. رحم الله الرئيس نميري ورحم الله الرائد زين العابدين الذي كشفت مذكراته الكثير المثير الذي يستحق أن نقف عنده.. خاصة وأن ذكرى انقلاب الخامس والعشرين من مايو، باتت قاب يومين أو أدنى!