صادف يوم أمس الجمعة الخامس والعشرين من مايو ذكرى الانقلاب العسكري، الذي قاده الرئيس الراحل، العقيد أركان حرب- وقتها- جعفر محمد النميري، واستولى فيه على السلطة، بعد الإطاحة بالحكومة الحزبية قبل ثلاثة وأربعين عاماً. المايويون ليسوا على صعيد واحد الآن، وما عادوا على قلب رجل واحد، لذلك يحتفل كل منهم بهذه المناسبة بطريقته الخاصة.. إذ يكثف بعض أفراد أسرة الرئيس الراحل نميري- رحمه الله- من اجتماعاتهم هذه الأيام للاحتفال بذكرى الرجل وتأبينه في اليوم الثلاثين من هذا الشهر، بعيداً عن رموز النظام المايوي.. وفي هذا- قطعاً- ردة تُدْخل الرجل في عباءة الأسرة، كأنما لم يتحرك مع رفاقه من «خور عمر» للاستيلاء على السلطة من أجل الوطن. ويحتفل الرمز المايوي الكبير الأستاذ إلياس الأمين عبد المحمود في هذا اليوم الذي يصادف ذكرى نظامه الذي ما زال يعتز به، يحتفل بمناسبة زواج ابنه حتى يصبح للتاريخ معنيان عام وخاص، وما يقوم به الأستاذ إلياس الأمين، ليس بدعة بين المايويين، إذ جرت من قبل إجراءات عقد قران كريمة السيد عز الدين السيد قبل سنوات في الخامس والعشرين من مايو بمسجد الخرطوم (2) بحضور المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية. (مايو) كنظام حكم السودان لستة عشر عاماً، لا يمكن أن نعتبره حقبة سياسية أو تاريخية عابرة، فقد شهدت بلادنا في تلك الحقبة أحداثاً خطيرة، وتحولات تاريخية في السياسة والاقتصاد و(ثمن) الحكم الذي كان (دماً) في كثير من الأحيان. الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر- رحمه الله- عضو مجلس قيادة الثورة، وأحد أركان النظام المايوي، له آراء جريئة في ذلك النظام الذي أسس له مع رفاقه من «خور عمر»، وله انتقادات أكثر جرأة للرئيس نميري نفسه، كانت أكثر وضوحاً في مذكراته التي صدرت بعد وفاته، والتي سبق أن حدّث كاتب هذه الزاوية- شخصياً- عنها. الرائد زين العابدين يرى أن هناك أسباباً موضوعية وراء (سقوط مايو) منها اجتماع كل السلطات في يد (السيد الرئيس القائد الملهم) جعفر محمد نميري، وغياب المؤسسية، وفوضى القرارات غير المدروسة خاصة في الجانب الاقتصادي، وغيرها من أسباب عجلت بالإطاحة بالنظام، وأهمها غياب الرئيس نميري شخصياً عن المشهد السياسي عندما انطلقت الشرارة الأولى ضد نظام حكمه في أواخر مارس عام 1985م، ثم حجب المعلومات الحقيقية عنه إلى أن (سقط النظام سهواً) كما كتب الراحل زين العابدين محمد أحمد عبد القادر. يعترف الرائد زين العابدين بالدور المتميّز لزميله ورفيق سلاحه الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم، الذي يصفه دائماً ب«رجل المهمات الصعبة» ويشيد دوماً بشجاعته وقدرته على اتخاذ القرار في المواقف العصيبة والانقلابات المفاجئة، بما يحدث نتائج عكسية تهزم المخططات الانقلابية، وتعيد الرئيس نميري للسلطة من جديد. الرائد زين العابدين يلمح تلميحات لا تفوت على فطنة قارئ مذكراته، عندما يقول إن الرئيس نميري يظل دائماً في حالة (اختباء) في (مكان ما) عند الانقلابات والأحداث الجسام، بدعوى أنه رمز الثورة الذي يجب الحفاظ عليه. «مايو» وذكراها بالنسبة لنا في «آخر لحظة» هذا العام، تختلف عن كل ما سبقها من ذكرى، لأن مذكرات الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، غيّرت الكثير من المفاهيم، والموازين، وتطلبت من الجميع أن يعيدوا قراءة التاريخ من جديد. اللهم احفظنا واحفظ بلادنا واحمنا من غدر أعداء الدين وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الظالمين. آمين