الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير الزميلة « التيار» كان يجلس في مكتبه يعد لعدد يوم جديد.. طارق على الباب يخبره أن يتأهب إلى رحلة إلى مدينة «مدني» .. بلاغ ضد صحيفة التيار من حكومة الجزيرة.. رئيس التحرير ينقب في صحيفته بحثاً عن الخبر الذي أغضب حكومة الزبير بشير..لم يجد غير أن قارئاً في ركن قصي من الصحيفة لم يحسن مخاطبة مقام الوالي.. انتهى رئيس التحرير من البلاغ الأول ولكنه وجد نفسه محاطاً ببلاغات أخرى من أطراف في ذات الحكومة.. تداعت هياكل حكومة الجزيرة وغضبت مع غضبة واليها.. ذات الغضبة التي انتابت الوالي السابق عبدالحميد كاشا حينما لم تحسن الزميلة الأخبار ترجمة اسم «كاشا» . الصحفيون بدأوا يتحسسون رؤوسهم والسيد وزير العدل يصادق على إنشاء نيابة للتحقيق مع الصحفيين في مدينة مدني.. تلك الخطوة الأولى وستعقبها نيابة أخرى في الضعين وثالثة في «المقينص» وربما رابعة في «طوكر» .. قرار وزير العدل مولانا « دوسة» يتجاوز قراراً آخر أصدره الوزير عبدالباسط سبدرات..الصالح سبدرات رأى أن الأحوط تشكيل نيابة متخصصة في قضايا الصحافة بالخرطوم.. اجتهاد الوزير سبدرات رأى أن معظم إن لم يكن كل الصحف تنشر وتطبع في الخرطوم.. لهذا من الأقوم أن يكون التحقيق في ذات المدينة. الصحفيون بدأوا ينقبون في ملفاتهم بحثاً عن الذي أغضب الوزير «دوسة» .. هذا الرجل وجد تأييداً غير مسبوق من الصحافة في أكثر من خطوة.. وحدها قضية المستشار مدحت كانت محطة فاصلة.. وزارة العدل منعت النشر والصحف رفضت القيد.. ولكن المستشار الذي تسبب في الأزمة طار إلى خارج السودان.. لا أحد على وجه التحديد يمكنه أن يتكهن بمصير القضية التي أصبح بطلها لا يمكن الوصول إليه حالياً. تجمع رؤساء تحرير أكثر من عشر صحف يومية في دار الزميلة الوطن.. الصحافيون تعاهدوا على مناهضة قرار الوزير إلى حد عدم الامتثال إليه « إلا كرهاً» .. بعد نقاش عاصف كتبوا بياناً مشتركاً تعقبه خطوات أخرى إن لم تتراجع الحكومة عن قرارها.. في تقديري أن على وزير العدل ألا يضع بقعة سوداء على جلبابه الأبيض.. هذا الوزير عندما اتهم فرد من حاشيته بتهريب بعض الأموال في موسم تبديل العملة السودانية سارع إلى نشر بيان صحفي يوضح فيه الحقائق.. هذا الوزير توعد بمحاكمة كل من ارتكب جريمة في مناطق النزاعات.. ولكن التاريخ سيقول إن «دوسة» أول من فتح نيابة لمحاكمة الصحفيين في الولايات.. مثل هذه الممارسة ضرب من التضييق على حرية الصحافة وإن جاءت في ثوب قانوني. الصحافة السودانية تقوم بأداء مهامها وفي فمها ماء وعلى عينها عصابة وفي قدمها قيد ثقيل.. الذين يقرأون صحف اليوم سيدركون أن مهمتنا صعبة وأن وزير العدل على موعد مع محكمة التاريخ. سيدي وزير العدل كن مع الصحافة ولا تكن عليها.