وقفت (علوية) أمام الموقد تعد فنجان القهوة وعيناها تلمعان ببريق غريب.. في الصالة الخارجية جلس الصادق يداعب ابنه (محمد) الذي تشبث به وأمطره بوابل من الأسئلة.. (أبوي إنت كنت وين؟.. مالك ما قاعد تجينا؟.. إنت كنت مسافر؟.. ما جبت هدومك لشنو؟).. أنزل الصادق ابنه من عنقه عندما حضرت أمه ووضعت (فنجان القهوة أمامه).. أمشي يا (محمد).. ألعب جوه.. أنا بجيك هناك.. طيب لكن ما تمشي ..!أسرع الصغير فرحاً.. إلى الداخل .. فالتفت الصادق إلى (علوية) وقال بسرعة بعد أن نكّس رأسه إلى الأرض ..!أنا عارفك زعلانة مني عشان اتزوجت عليك ..!لكن دايرك تفهمي إني طبقت شرع الله ..! وما نسيت عشرتك ولا مواقفك كلها معاي ..! لما كنت باديء من الصفر وبعتِ دهبك الورثتيهو من أمك.. وفتحتي لي بيهو المطعم.. ولا بنسى وقفتك قدام النار.. تعملي الأكل للزبائن طول اليوم.. وصدقيني أنا عارف الخير الأنا فيهو كلو منك ومن قروشك ..! لكن قسمة وأسي أنا جايي أرضيك.. وتبقي إنتِ الكل في الكل.. إنتِ عارفة أنا بحبك وما ببدلك بأي زول تاني.. رن جرس الهاتف فنظر الصادق بحذر إلى الرقم ورمق زوجته بنظرة سريعة قبل أن يرجعه إلى جيبه دون أن يرد عليه.. أشرب القهوة قبل ما تبرد ..! أها قلتِ شنو ؟!.. قلت ليك أشرب القهوة.. شرب الصادق حقد علوية الدفين.. فمزق السم أحشاءه بعد دقائق معدودة.. وقع على الأرض يتلوي وتحركت علوية وأشعلت التلفزيون بصوت مرتفع حتى لا تسمع صراخه وقفت تنظر إليه في شماتة.. وهو يرجوها أن تسعفه لكن رغبتها في الانتقام جردتها من كل معاني الإنسانية حتى صمت.. شعرت بالانتصار حينما علا صوت المقريء يتلو قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).