ü استعد لشد الرحال إلى أرض الكنانة لمتابعة الانتخابات الرئاسة من القاهرة ولقراءة من الداخل لما يدور هناك، فمصر ما بعد 25 يناير 2011، هي غير تلك التي عهدنا وعرفنا على مدى عشرات السنين.. مصر الرجل الواحد والنظام القابض والإنسان الفقير والخائف، الذي «يمشي في ضِل الحيط ويقول يا رب»، مصر الجديدة هي مصر المستقبل الواعد بالديمقراطية وحرية الاختيار الجماعي والفردي، مصر الثورة وشعاراتها الباهرة «عيش، حرية وكرامة وعدالة اجتماعية». ًًِü راقبت بالأمس، عبر الفضائيات، اللحظات الأولى لبداية الانتخابات، المصريون يصطفون في طوابير طويلة منذ السابعة صباحاً، والقضاة وأعضاء اللجان ومراقبو الانتخابات وممثلو المرشحين يصلون في تمام السابعة والنصف لتبدأ المراكز الانتخابية عملها في جو من النظام والانضباط وليبدأ الاقتراع في موعده تماماً الساعة الثامنة، تحت رقابة وحماية مشتركة من قوات الجيش والشرطة. ًًِü هكذا بدت الصورة من السويس ومصر الجديدة ومدينة نصر والدقي في القاهرة وفي أسوان وبني سويف وبورسعيد والاسكندرية وأسيوط وسيناء، وفي الصورة بدا أيضاً دور المراقبين الأجانب والعرب، مركز كارتر الأمريكي ومراقبون بريطانيون وسودانيون وكويتيون، أجمع المراسلون بأن بداية الانتخابات لم يشبها أي اختراق للقوانين والقواعد المنظمة للعملية، بما في ذلك الدعاية المحظورة خارج المقار الانتخابية وحولها والتي تطلب القوانين التبليغ عنها فوراً إلى القاضي المشرف على المقر بواسطة الشرطة ومنظم الطابور الانتخابي، حتى تتخذ الإجراءات العقابية بحق المخالفين والجانحين. ًًِü أعجبني مانشيت إحدى الصحف المصرية: «الرئيس في الصندوق والمفتاح مع الشعب!» تعبيراً عن النزاهة المنتظرة، واللحظة التاريخية التي تعنيها الانتخابات الرئاسية بالنسبة للمصريين، الذين يحلو لهم أن يرددوا أنها «أول انتخابات حرة للرئيس خلال سبعة آلاف سنة» استناداً إلى أن مصر ما قبل ثورة 23 يونيو 1925 كانت ملكية «تحت الاحتلال» وأن الانتخابات كانت في إطار الملكية الدستورية للبرلمان ورئيس الوزارة، كأحمد ماهر أو مصطفى النحاس في ظل «النظام البرلماني»، كان بمثابة رئيس للبلاد. ًًِü حتى ساعات قليلة من بدء التصويت، الذي سيستمر ليومين (الأربعاء والخميس) لم تتبدد المخاوف من التزوير وخلخلة النزاهة، فللتزوير ميراث ثقيل وطويل في الثقافة الانتخابية المصرية في ظل النظام السابق، ميراث عمره عشرات السنين، وبما أن الانتخابات تتم هذه المرة في أجواء الحرية والديمقراطية التعددية، فاحتمال التزوير المباشر بتعبئة الصناديق أو ارهاب الناخبين غير وارد، ولكن المراقبين والمصريين منهم بخاصة، يتحدثون عن ما يصفونه ب«التزوير المعنوي»، عبر الإكراميات والعزومات وتقديم المواد العينية للفقراء وسكان العشوائيات أو من خلال الارهاب الفكري، بتصوير صوت الناخب كمعبر له إما إلى الجنة أو إلى نار السعير، فهناك قدر كبير بين الناخبين- البالغ عددهم نحو 51 مليوناً- أكثر من 40% منهم من الأميين أو ذوي التعليم المتدني والثقافة السطحية الذين يمكن التأثير عليهم، ويغلب على هؤلاء التردد في الاختيار بين هذا المرشح أو الحزب أو التيار السياسي أو ذاك، ومع ذلك فإن احترام فترة «الصمت الانتخابي» من جميع المرشحين والقوى السياسية بانضباط لافت، يوحي بالتفاؤل بأن تأتي الانتخابات كما ترجوها النخبة المصرية نزيهة وحرة وشفافة، أو على الأقل أن تكون في درجة من المقبولية كتلك التي شهدتها انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي لم يشبها إلا القليل من الخروقات والمخالفات. ًًِü ربما يكون أكثر ما يزعج المراقبين ويؤرق المصريين عموماً، هو تكشير بعض القوى السياسية عن أنيابها والتعبير عن استعدادها لمقاومة نتائج الانتخابات إن لم تأتِ على هواها أو كما تشتهي، كأن يقول البعض إنه في حالة فوز مرشح بعينه محسوب على النظام السابق، فإنهم سينزلون إلى الشارع وميدان التحرير من أجل مواصلة الثورة والعمل على إسقاطه، ما يعني رفض الاحتكام إلى صندوق الاقتراع وضحالة الثقافة الديمقراطية، التي من مقوماتها تهنئة المهزوم للفائز ومراقبة أدائه عبر وسائل التعبير الشرعية والسلمية استعداداً لجولة قادمة. ًًِü ومن الحقائق المزعجة التي تحيط بالانتخابات أيضاً، هي أن يأتي الرئيس المنتخب إلى سدة الرئاسة ولم تتحدد صلاحياته الدستورية بعد، وقد فشل المجلس العسكري الأسبوع الماضي في الحصول على توافق بين القوى السياسية حتى يصدر إعلاناً دستورياً تكميلياً يحدد صلاحيات الرئيس، وتنصب الجهود حالياً من قبل جهات عديدة لإصدار مثل هذا الإعلان التكميلي، حتى يعلم الرئيس الجديد ما له وما عليه، وهو موضوع خلاف كبير بين الأحزاب والقوى السياسية، بين من يرى أن يكون النظام رئاسياً كما كان مع بعض التعديلات، ومن يرى أن يكون نظاماً برلمانياً يكون فيه لحكومة الحزب الغالب اليد العليا، وهناك من يرى ضرورة أن يكون نظاماً رئاسياً- برلمانياً (مختلطاً) تُقتسم فيه الصلاحيات بين المؤسستين، وهو وضع ناجم عن صرف النظر ابتداءً، وفي أعقاب انتصار الثورة وتجاهل البدء بوضع الدستور، على غرار ما جرى في تونس، وفي التأخير الناجم فيما بعد عن حل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من قبل المحكمة الإدارية العليا، بعد أن عمدت الأغلبية الإسلامية في مجلس الشعب إلى الاستحواذ على جل مقاعدها المائة، الأمر الذي هدد بأن يفقد الدستور المنتظر روحية التوافق المجتمعي والإجماع القومي الذي يجعل منه دستوراً دائماً. ًًِü التقارير الاقتصادية والمالية الأولية التي رافقت بداية الانتخابات أمس (الأربعاء) تحدثت عن حالة تفاؤل وتماسك في مجمل الاقتصاد المصري واستقرار للأسعار ولأسهم البورصة التي شهدت إقبالاً أقل بالنظر للاندفاع نحو مقار الاقتراع، فالحالة الاقتصادية تمثل شاغلاً وهاجساً رئيسياً للمصريين إلى جانب الأوضاع الأمنية. ًًِü يرجح معظم المراقبين حتى الآن احتمال أن يذهب المصريون إلى جولة إعادة للانتخابات، ولا يتوقعون أن يتم الحسم منذ الجولة الحالية (الأولى) بالنظر لتعدد المرشحين حتى بين التيارات المتماثلة في الأهداف والسياسات، خصوصاً بالنسبة للتيارين الرئيسيين (الإسلامي) و(الليبرالي)، حيث لكل تيار ثلاثة أو أربعة مرشحين يحملون ذات البرامج والتوجهات والوعود الانتخابات، مما سيقود على الأغلب إلى تفتيت الأصوات بحيث لا يحصل أي من المرشحين على نسبة تفوق ال(50%) المطلوبة لإعلان فوزه في الجولة الأولى إلا «بمعجزة انتخابية»! ًًِü وداعاً وإلى لقاء قريب من قاهرة المعز إن شاء الله.. و«خليكو معايا.. أوع تروحوا في أي حِتة» كما يقول معتز الدمرداش بقناة «الحياة» عند كل فاصل.