وما زلت أمتلك الميكرفون بقوة.. وما زلت أقف على منصة الخطابة.. وما زالت دموعي تتدفق.. وما زال إخوتي من «الإخوان» يرهفون السمع لي في انتباه وأواصل قائلاً.. لابد لي يا أحبة أن أقول.. إننا نتحمل مسؤولية كل الذي جرى في الوطن لعقدين من الزمان وتزيد.. هذه حقيقة أكثر وضوحاً من شمس الظهيرة في سماء صافية لا تغشاها سحابة.. نعم إن الحركة الإسلامية تتحمل كل الذي تم في هذه السنوات، إذا كان ذلك انجازاً أو اخفاقاً كان ذلك خيراً أم شراً.. وهذه قناعة أخلاقية.. إن لم أقل إنها قناعة دينية خالصة.. والآن ننظر حولنا.. وأمامنا وحتى من خلفنا.. إنها ساعة بل لحظة «الجرد» أو قل المصارحة والمكاشفة.. وقبل أن أغبر أقدامي في ذاك الطريق الطويل.. دعوني أذكركم بكلمات قالها إخوة أعزاء لنا.. نعم هي كلمات مُرة بل هي بطعم الحنظل أشبه.. ولكنها صادقة ساطعة، وإن كانت صادمة.. واعلموا يا أحبة وأنا أعلم إنها كلمات قاسية وثقيلة على الآذان والأفئدة والقلوب.. كل العزاء أنها صدرت من أحبة تراصوا معنا بل بنوا معنا هذا الصرح الهائل.. الذي رفرفت عليه رايات الإسلام.. قال مرة أخونا البروف إبراهيم أحمد عمر قال- في لحظة صفاء ومصالحة مع نفسه تلك التي وهبها كلها للحركة الإسلامية قال «لقد جطنا البلد».. وقال مرة وعبر الصحف تلك التي تصافح عيون أبناء الوطن كل صباح، قال أخونا يسن عمر الإمام.. وفي كلمات حزينة بل باكية وكأنه ينعي للأمة كلها الحركة الإسلامية.. وهو يشاهد زرعه الذي رعاه وتعهده بالسقاية يذبل، بل يحطوطب ويجف، بعد أن تساقطت منه خضر الأوراق.. قال الرجل «والله بت أخجل عندما أحدث الناس عن الإسلام».. والآن هل عرفتم لماذا تتدفق دموعي.. بالله عليكم هل كان وحتى في الخيال.. أن نصل إلى هذه المحطة.. الجديبة التي تصفر فيها الريح بعد أن غادرها القطار.. أيها الأحبة.. هل تذكرون كيف كنا نسخر ونغضب من الشيوعيين.. ونحن نسفه شعارهم وهتافهم ذاك الذي يقول «التطهير واجب وطني»، طيب.. تعالوا ننظر ماذا فعلنا نحن عندما دانت لنا البلاد طولاً وعرضاً.. لقد أسرجنا خيول التمكين.. وليتها كانت خيولاً رزينة ورصينة، ليتنا كنا نستوحي رقابة ضمائرنا وقبلها الخالق.. لقد كان التمكين الذي انتهجنا وسلكنا طريقه.. إعصاراً مدمراً.. هائلاً اخترعنا له اسماً، وتماماً كأسماء تلك الأعاصير الهائلة التي كانت تضرب دول العالم كافرة ومسلمة.. أسمينا إعصارنا ذاك «الصالح العام».. أعددنا القوائم.. وأعددنا «عدة الشغل» من أسنة وخناجر لم تكن سوى أقلام.. تطيح بالآلاف من المواطنين إلى الصالح العام، والذي لم يكن غير الشارع العريض.. تخلخلت العوائل وتمزقت الأسر.. كيف لا تتمزق.. عندما يجد رب الأسرة نفسه عاطلاً عن العمل.. أنتم تعلمون يا إخوان.. إن الفقر لا يعرف الفضيلة.. وليته كان فقراً قائماً بذاته.. بالأسف كله، وبالأسى كله فقد تضافر معه حقد وغبن وشعور بالظلم الفادح.. حسناً.. لقد تعهدت قيادتنا جهراً بتصحيح المسار.. تعهدت بإيقاف التمكين.. ولكن ألا يجب أولاً أن نرفع الظلم عن كل من طاله سيف الصالح العام.. إني أرى أن هذه أول خطوة يجب أن نغسل بها ثوب الحكم العادل الرشيد.. ومرة أخرى.. أعود وأقول.. إن الفقر والفضيلة لا يلتقيان.. ومرة أخرى أقول.. هل يرضيكم أيها الأحبة أن يفرز المجتمع ذاك الذي انفقنا الملايين لتزكيته.. هل يرضيكم أن يفرز ذاك الكم الهائل من الأطفال مجهولي الأبوين، في بلد ترفرف عالياً عليها رايات شرع الله المطهر، وهل صدقاً وحقاً إننا تحت ظلال الحكم بما أنزل الله!!.. أم نحن فقط واهمون أو قل حالمون؟!.