إن أنسى لن أنس «حلفاية الملوك».. والأيام الخوالي التي عشناها في ربوع أهلها الطيبين البسطاء.. عندما كنا صغاراً نعود من المدرسة الابتدائية.. لبيت الجيران «المرحوم صديق تمساح».. لنلعب ونتسامر.. ونتناول أحياناً الغداء بكل بساطة.. «وكأن البيت بيتنا».. فالجيرة كانت صادقة حميمة.. وأولاد الجيران يوصلونا الى أي مكان «حماية ورعاية».. وكأنهم أخوان.. والحمد لله مازالت كثير من الأماكن يتمتع أهلها بحسن الجوار.. لأن السودانيين طيبين بطبعهم واجتماعيين، ويعشقون التواصل والترابط والإخاء.. وهذه هي القاعدة العامة لا سيما في القرى.. والأحياء الشعبية، وإن كان كثير من الأحياء الراقية أيضاً تتمتع بعلاقات طيبة وكريمة في وسط الجيران.. وبما أن لكل قاعدة استثناء.. فإن من أسوأ الظروف التي يمكن أن يعيشها الإنسان أن يجاور «جيران السوء».. أو الذين يفتعلون المشاكل ويتربصون للغير ..! لقد سكنت في بداية حياتي الزوجية .. في «عمارة» مليئة بالأسر.. وحمدت الله على ذلك.. واكتشفت بعد أشهر قليلة أن إحدى الجارات خلقت صراعات عنيفة بين الباقيات، فآثرت السلامة.. والصمت.. والابتعاد عن المشاكل.. وحاول كل فريق ضمي إلى معسكره، ولكنني آثرت الجلوس على مقاعد المتفرجين الناصحين.. وتطور الأمر لدرجة البلاغات.. والاتهامات.. وقطع حبال الغسيل.. وإفساد الأطباق الهوائية.. وافراغ اطارات السيارات.. وكأنهم مجموعة من البلطجية.. فلملمت حاجياتي.. ورحلت بعيداً عن مكان لا يعرف أصحابه حقوق الجيران.. ولا مكانتهم عند الله ورسوله ..! شاهدت في المحكمة «قبل عدة أيام» بلاغاً من جارة ضد جارها بالسب والشتم، وقفل مجرى المياه.. ورمي الأوساخ أمام الباب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..! زاوية أخيرة: الجهل مصيبة.. ستفنى هذه الدنيا ونسأل عن الجيران وحقوقهم، نحمد الله أن جعلنا وسط جيران كالأهل.. إذا اشتكى منا عضو تداعوا كلهم بالسهر والحمى ..!!