في لحظات أفول القرن التاسع عشر، وعلى تخوم القرن العشرين ولد خليل فرح وبلادنا تودع العهد الوطني المهدوي وتستقبل العهد الاستعماري البريطاني وكان ميلاده في عام 1892م، وفي رواية أخرى 1894م بقرية دبروسه لوالدٍ هو السيد فرح بدري الذي كان يعمل تاجراً متجولاً ما بين حلفا ودنقلا، وكان يصطحب خليلاً في رحلاته التجارية إلى أن توفي عام 1915م، ثم لحقت به والدة الخليل في عام 1927م. وتلقى خليل تعليمه بخلوة الشيخ أحمد هاشم في جزيرة صاى، والمرحلة الأولية بدنقلا، ثم انتقل إلى أم درمان ليدرس بمدرسة الصنائع، والتى تخرج فيها مهندساً بمصلحة البوستة والتلغراف، وبعدها تزوج بالسِّيدة سلامه أغا إبراهيم، وله منها فرح وعائشة. ومنذ صِّباه الباكر كان الخليل موهوباً في نظم الشعر الغنائي والتلحين واداء اغنياته التى كانت تسير بذكرها الرُّكبان، خاصةً وهى أغنياتٍ كانت ترتبط بقضايا الوطن والوطنية، على الرغم من صيغتها العاطفية، والتى كانت مجرد (تقية) لتجنب شرور المستعمر، ومنها: عازة في هواك!! جناين الشاطئ- صائد الأنام - نحن ونحن الشرف الباذخ- ماك غلطان ده هوى الأوطان - وطني - ما هو عارف قدمو المفارق - أذْكُرْ بُقعةَ أم درمان- مقرن النيلين- أياماً مضت - فلق الصباح- في الَّضواحِي - جنة بلادي- المدرسة .. الخ. وعلى الخليل الكثير من مضايقات السُّلطات الإستعمارية بالإضافة للمرض، ولكن لم تَلِّنْ له قناةٌ، خاصةً وان هنالك من الأحداث ماحفزه للصِّمود أمام المستعمر، ومنها تخريج أعداد كبيرة من المتعلمين السودانيين من كلية غردون، ومولد الصحافة السودانية وإن كانت أجنبية الملكية إلى أن تأسست جريدة سودانية خالصة حتى من ناحية الملكية وهى جريدة (الحضارة)، بالإضافة إلى ذلك نشوب الثورة المصرية الشعبية في العام 1919م، بجانب ثورات الشعوب الاخرى كالثورتين الهندية والروسية في العام 1917م، وكل ذلك قاد إلى قيام نادي الخريجين وقيام جمعية(الاتحاد السوداني)ومن بعدها جمعية (اللواء الأبيض) وانضم الخليل إلى جمعية الاتحاد السوداني والتى كان مقرها السِّري منزل محي الدِّين جمال أبو سيف، وكان من أبرز قادتها عبيد حاج الأمين، وتوفيق أحمد البكري، وبشير عبد الرحمن، ومدثر البوشي، والأمين على مدني، وبابكر القباني، وتوفيق صالح جبريل، وغيرهم. وبعد نكبة 1924م اُخرِجتْ القوات المصرية من السودان، وانفرد الانجليز بالحكم، وهنا نظم الخليل قصيدته السياسية المعروفة(ماك غلطان) عام 1925م، ولما كان الخليل يحب مصر حباً جماً !! أسوة بالكثير من مثقفي مواطنيه آنذاك!! فقد شدَّ إليها الرِّحال عام 1928م. وهناك طوَّر قدراته الفنية الموسيقية والغنائية، حيث وضع أُسساً جديدة للغناء السوداني. ومن أشهر أعماله الفنية، خاصةً بعد أحداث 1924م الشهيرة الاغنية الوطنِّية الذَّائعة الصِّيت (عزه في هواك) ومنها:- عزَّه في هواكْ نحن الجِبَالْ * وللبِّخوضْ صَفَاكْ نِحْنَ النِّبَالْ عَزَّه ما بَنُوم اللَّيَل مُحَال * بَحْسِّب النِّجوم فَوق الرِّمَال ومنها اغنيته:- نِحْن ونِحْن الشَّرف البَّاذِخ *دَابِي الكْرَّ شَبَاب النِّيل والتى تعرض للمساءلة والاعتقال بسببها ولم تلن له قناة، ومن تلك الاغنيات التى كانت يُنظر إليها المستعمر بعين الشَّك والرِّيبة اغنيته:- يَلا َنمْشي المدَّرسه* دُون أساوِر دُون رَسَا وفي هذه المناسبة نذكر أن شاعرنا وفناننا ومناضلنا الوطني خليل فرح بدري، كان من الجسارة بحيث قدم روحه بسخاءٍ لوطنه وشعبه، إلى ان تملكته علة داء الرِّئة، وأخفق الأطباء المصرِّيون في القاهرة من شفائه فعاد إلى بلاده التى أحبها وشغف بها، حيث أدركته المنِّية في 30 يونيو عام 1932م بمستشفي النهر بالخرطوم مبكياً عليه من وطنه وشعبه.