تجاوزنا مدينة (الجيلي) شمال (ولاية الخرطوم) صباح الأحد (العاشر) من (يونيو) الحالي.. إلى (شندي) رادعة التكبر والطغيان منذ غابر تاريخ السودان.. وصلناها بيسر، إذ كنا نعاني في الوصول إليها في عقودنا الزمانية الماضية لتعرجات وخشونة الطريق، ووقفنا بها عند كافتيريا (عزو) ووجدنا بها الأريحية وحسن التناول.. وكان يقوم علينا فتى أسمر ضحوك نشط.. وهم ينادونه (مصعب)، فطلبت إليه المشروبات الساخنة.. فسألته عن مدينته الأم فقال لي أنا من (كاودا) بجنوب كردفان.. فقلت له كيف أنت هنا.. قال أنا بخير وهمة ونشاط.. ومنها غادرنا بسياراتنا إلى (الدامر) حاضرة ولاية نهر النيل.. وحينها تذكرت صديقي وناصحي الهميم الشيخ مجذوب مدثر الحجاز.. وقت كنت رئيساً لاتحاد طلاب جامعة أم درمان الإسلامية الطموح في السبعينيات، فرحم الله (مجذوبنا) المقدام في الوطنيات وعرى الإسلام.. وهي اليوم- (أي الدامر)- هي مقر الفريق (الهادي عبد الله) (واليها) اليقظ.. والذي لا أنسى مساندته لنا في إرساء قواعد (هيئة تنمية غرب كردفان) الحالية، عندما ذوبت (كولاية) لمنعرج وطني.. قد نتجاوزه حالياً أيضاً.. ووقتها كان (اللواء/ الهادي) بوزارة القصر الجمهوري.. كما أنني أذكر تماماً أن (الدامر) يوماً قد استضافت (الدورة المدرسية) في (التسعينيات) المنصرمة.. وقد أعاننا (القصر) نحن في وزارة الشباب والرياضة.. حين طلبنا إليهم منحنا أمير مراسم القصر (الفاتح نورين) ليقيم دورة للمراسم والتعامل بمدينة (الدامر)، فكان أن انتقى (الفاتح)- أربعين- شاباً من المؤسسات الناشطة.. وأقام بهم تدريباً (لأسبوع) تام.. ثم أدرنا وواجهنا بهم جماليات التعامل والتنسيق والاستقبالات لتلك (الدورة المدرسية القومية)، فيا لجودة الخبرة والأدب والمشاعر التعاملية التي تركت بصماتها إلى اليوم في ولاية نهر النيل، فتقبل الله الشهيد (الفاتح).. ثم عبرنا بالأسفلت الهاديء المريح.. فوق وبين التلال والصخور كأننا نصعد إلى منعرجات البحر الأحمر.. لنصل إلى مدينة (الحديد) و(الصمود).. عطبرة.. وهي مفترق المسارات إلى (هيا) بورتسودان، و(بربر) وصولاً (لأبي حمد) عاصمة (الذهب) المكتشف.. الساعي إلى استنهاض الهمم والأيدي المخشوشنة.. من أنحاء السودان قاطبة، ولذا هذه (عطبرة) التي تزهو فوق تاريخها المجيد، تزهو بالألق والنظام والأنوار الباهرة.. وهي (عطبرة) التي كنا نأتيها في (الثمانينيات) الماضية لتناسق الأيدي العاملة وخط الحديد الناقل للناس والأغراض.. حتى(الخرطوم) وإلى (بابنوسة)، ومنها إلى (أويل)، وغرباً (للضعين) و(نيالا)، وهي السكة الحديد.. فهل سيعود(قطارنا) المنعش من جديد.. فكل شيء ماثل للإرادة الوطنية واستقرار(الأمن) واستواء الصف للحياة الهانئة المطمئنة.. فهذه هي (عطبرة) التاريخ وهي لكل السودان (عمالاً) و(حاذقين) و(رواداً) و(قامات) سامقة.. جئناها اليوم- (أي عطبرة)- في ختام اسبوع المخيم الكشفي القومي(الخامس) الذي تنادت له(عشر) ولايات.. لدورة ترفيعية متميزة للمستويات المتتالية للفتيان والشباب عبر السودان كله.. إذ إن رفع القدرات والكفاءات وترادف الخبرات هي واحدة من (استراتيجياتنا) بالكشافة السودانية.. آخذة بشعار المصطفى(صلى الله عليه وسلم) (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.. بل مروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً). وتتعدد المهارات بتجدد الظروف والبيئة والتحديات، ويعلم الناشئة دروب وضروب قيادة الحياة كلها، فحين نزلنا (عطبرة) كنا عند الأخ الأستاذ (عبد العزيز منصور)- الوزير- رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة لنهر النيل.. الذي أولى هذا المخيم القومي جهده الناهض ورعايته التربوية.. وكان يتردد على هؤلاء الفتيان والقادة باهتمام فائق.. ويهيب ويشجع مفوضنا للبرامج والمناهج القائد (جعفر دياب)، المداوم بالمخيم هو وطاقمه المحلي والقومي.. ثم كان معتمد الرئاسة أدروب (هاداب) صاحب الروح المتألقة القيادية.. ثم كانت الأستاذة الطموح (آسيا علي إبراهيم) مديرة الشباب بالمجلس، التي أضفت على هذا الحضور القومي ثباتاً ونجاحاً ملحوظاً.. أما الأخ (الأمين حمدتو) أمين عام المجس الأعلى للشباب والرياضة فقد كان يمازحنا ويواصلنا عبر الأثير.. ونحن بالخرطوم.. ويبذل قصاراه لمثالية هذا المخيم في معقل الكشافة الأول بالسودان.. والتي انطلقت من هنا من (عطبرة) في عام (1916) بعد ميلادها الدولي في عام (1913م) ومنها (للأبيض) بكردفان.. ثم (مدني) الجزيرة ومن بعد إلى (الخرطوم) لتنطلق (قومياً).. هذا التنادي لكل الولايات كان بأريحية وطنية سامية من أخي الفريق (الهادي عبد الله محمد العوض) والي نهر النيل.. الذي أبدى كل الترحيب لإقامة هذا المخيم بولايته.. وهذا هو عهدنا به.. ثم فتحت المدينة بل (المحلية) أذرعها وصدرها الأريحي كذلك.. من معتمدها الهمام (فيصل موسى) الذي ما غاب يوماً عن هذه الحشود.. من (غرب) و(شمال) و(جنوب) دارفور.. إلى (شمال) و(جنوب) كردفان.. متجاورات مع(بورتسودان) و(دنقلا)، واختهم الكبرى (الخرطوم)، لأن (كسلا) و(القضارف) و(الدمازين) و(ربك).. وغيرها قد تلتقي في المخيم (السادس) قريباً (بإحداها)، ثم ما أن حانت الساعة (الخامسة) عصراً حتى كان الأخ الفريق(الهادي) والوزراء والمستشارون والمعتمدون والقيادات.. وأهل الذكر والقابلية من الرجال والنساء والشباب، كلهم كانوا بساحة (مدرسة الخدمات) ساحة الختام وتخريج مستويات الفتيان.. وكان موقفاً ملفتاً أن نتحدث نحن للجميع، وأن تتنوع العروض، وجوائز ودروع التفوق، ورائدنا جميعاً أخي الكريم الفريق (الهادي)، وهو يشرف ويوزع ويخاطب كل هذا الجمع، ليحملوا ويوصلوا رسائله لإخوته من الولاة الآخرين عبر الكشافة السودانية.. وهي تحمل كل ملامح الطموح الشبابي السوداني.. وإلى اللقاءات الأخرى.. والله أكبر..