استوقفني ما نقلته صحيفة «الرأي العام» صباح السبت الماضي تلخيصاً لإفادات وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة د. كمال عبيد في برنامج «مؤتمر إذاعي» الذي تبثه الإذاعة القومية حول مذكرة التفاهم التي وقعت بين وزارته وإعلام حكومة الجنوب -ممثلة في وزيرها د. برنا بنجامين- خلال الأيام الماضية بهدف إيصال الوسيط الإعلامي من المركز إلى الجنوب، والتي ستقود إلى تحريك «أتيام إسعافية» لتركيب محطات قصيرة المدى «إف.إم» بولايات الجنوب، بالإضافة إلى «6» محطات جديدة خلال الشهرين المقبلين، مشيراً إلى عمل موجات متوسطة وصيانة الأقمار الاصطناعية التي كانت تغطيتها محدودة بغرض تغطية الفضائية السودانية للجنوب. وأضاف عبيد:إننا نفكر في نشرة إخبارية مشتركة لبثها بالتزامن في أم درمان وجوبا من أجل نقل رسالة الجنوب إلى المركز. إفادات السيد وزير الإعلام، استوقفتني وشدتني من عدة زوايا، رأيت أن أطرحها في هذه «الإضاءة»، تحت العنوان أعلاه «الإعلام الإسعافي» أولها تعبير «الأتيام الإسعافية»، فالإسعاف ارتبط في أذهان الناس بالتحرك العاجل والسريع من أجل إنقاذ مريض أو إطفاء حريق أو تلافي كارثة مناخية أو بيئية على وشك الوقوع، فهل يمكن «للرسالة الإعلامية» أن تدخل في إطار التحركات الإسعافية، أم أنها عمل مبرمج ومخطط له وفق إستراتيجية متكاملة تأخذ وقتها وحقها من النظر والتدبر حتى تأتي أكلها وتخدم أهدافها المعلومة والمدروسة بعناية؟! هالني أيضاً في إفادات الوزير حجم العمل المطلوب إنجازه لتوصيل الرسالة الإعلامية، من المركز إلى الجنوب وبالعكس، فالمطلوب بحسب ما قال السيد الوزير هو: تركيب محطات قصيرة (F.M) بولايات الجنوب، وعددها عشر ولايات، وتركيب «6» محطات جديدة، وإنجاز محطات متوسطة (M.W)، بالإضافة إلى صيانة الأقمار الاصطناعية ذات المدى المحدود بغرض تغطية شاملة لمدن الجنوب وبنادره وأريافه، وتصميم نشرة إخبارية مشتركة ليتم بثها بالتزامن من أم درمان وجوبا. وقدّر الوزير -بحسب إفادته- أن يتم إنجاز تلك «المهمة الإسعافية» خلال شهرين. فإذا افترضنا أن ذلك ممكن من واقع تقديرات الوزير، فكم يتبقى من الزمن، لتأخذ «الرسالة الإعلامية»، والتي نعلم أنها موجهة للتبشير بالوحدة وإبراز فضائلها والتبصير بمخاطر الانفصال وشروره، كم يبقى من الزمن لتأخذ تلك الرسالة حظها من الانتشار والرسوخ والتبني من قبل جمهور المُتلقين من أبناء الجنوب المعنيين بالاستفتاء على تقرير المصير؟! فإذا كان بيننا وبين موعد الاستفتاء وفقاً لجداول نيفاشا خمسة شهور لا غير، فإنه حتى لو تمّ إنجاز كل ذلك العمل الذي حدده الوزير، وفي الزمن الذي قدره بشهرين، فلن يكون متاحاً لتلك الرسالة الإعلامية سوى ثلاثة شهور لا غير، فهل يتوقع السيد الوزير أن يكون ذلك وقتاً كافياً للتأثير والإقناع، علماً بأن هناك حملات جماهيرية وشبابية تنطلق في مدن الجنوب وبنادره في اليوم التاسع من كل شهر تبشر بالانفصال وتقيم المهرجانات المنظمة لخدمة ذلك الهدف حتى حلول موعد الاستفتاء. ليسمح لي سعادة الوزير د. كمال عبيد أن اختلف معه بأن خطته «الإسعافية» لن تجدي فتيلاً، ولن يكون لها -حتى لو تم إنجازها في الموعد المضروب- سوى تأثير محدود على موقف الناخب الجنوبي من خياري الوحدة والانفصال. خصوصاً عندما نتذكر أن السيد وزير الإعلام، كان أيضاً وزير دولة بنفس الوزارة المكلفة بإنجاز ذلك العمل وتوصيل الرسالة الإعلامية المطلوبة (الآن)، وكان متاحاً له بحكم أنه الوزير الذي يمثل الحزب الأكبر الحاكم «المؤتمر الوطني» أن يقوم بما يقوم به الآن طوال السنوات الخمس الماضية من عمر اتفاقية السلام، حتى تبلغ تلك الرسالة «مأمنها» وتستقر في عقول الناخبين وقلوبهم. وهذا -للأسف- لم يحدث ولم يعد في الوقت متسع لإحداثه وتفعيله ولو بنهج الإسعافات العجولة. ومع ذلك، فإننا نرى أن إنجاز الربط الإعلامي بين الشمال والجنوب، الذي يقترحه السيد الوزير ليس بلا فائدة أو جدوى على الإطلاق، فهو على كل حال سيحدد نطاق الرسالة الإعلامية في الاتجاهين، ليس فقط لخدمة «الغرض الآني» أو المهمة الملحة التي تستهدف التبشير بالوحدة، ولكن لخلق حالة من التواصل تغذي التفاهم المشترك بين أبناء شعبنا في الشمال والجنوب، وهذا مطلوب في حد ذاته من أجل المستقبل غض النظر عن نتيجة الاستفتاء. تصريح لافت آخر ورد ضمن إفادات السيد الوزير في ذلك البرنامج الإذاعي، حمل مطالبته (رسميّاً) للحركة الشعبية بتحديد موقف (رسمي) من خياري الاستفتاء المقبل (الوحدة أو الانفصال)، وسأل الحركة عما إذا كانت تريد سوداناً موحداً (بمليون ميل مربع أم بمليون ميل إلا ربعاً»، وهو سؤال -كما أرى- ليس محل توجيهه للحركة برنامج إذاعي، بل الأوفق والأجدى هو أن يطرح من خلال مؤسسات الحكم المشتركة -هيئة الرئاسة ومجلس الوزراء واللجان العديدة التي تجمع الشريكين- فتلك هي الأمكنة التي يستطيع من خلالها الوزير وحزبه الحصول على الأجوبة القاطعة من جانب الحركة، التي أعلن أمينها العام -بدوره- بعد اجتماعات الوفدين برعاية مصرية في القاهرة وفي لقاء مشهود له مع أبناء الجنوب المقيمين في القاهرة دعمه لخيار الانفصال، وقوله «إذا كان الخيار هو الوحدة فلا بد من بناء سودان جديد قائم على شراكة حقيقية يتساوى فيهاً المواطنون في الشمال والجنوب» وقطعاً فإن الوزير د.عبيد يعلم ذلك الشرط وتلك الرسالة التي كررها باقان من قاهرة المعز علم اليقين!