لا زال يبحث عن حبه الهارب ، بحث عنه في الشوارع الترابية في أقاصي الشمال ، جاب على قدميه الحافيتين أزقة القرى ، ركض في صحراء تغيب فيها الظلال ، أنشد أغنية لأشجار السنط والسلم ، نام على الكثبان الرملية في الضفة الشرقية للنيل ، سأل عن حبه المارة والمراكبية والصيادين ووجوه الترابلة المتعبين في الحقول ، سأل بساتين النخيل ، ومنظومة من القرى المهجووة في أقاصي الشمال ، توقف عند تقاطعات الدروب المؤدية للشرق والغرب في مسارات أودية ضيقة تشتاق لريق المطر ، للأسف لم يجد من يدله على الحب الهارب ، أخيرا انطلق نحو الشرق باح بأحزانه للبحر سأل طيور النورس الكحلية وأسراب الغربان ، والصيادين ، سأل نغمات سمسمية مبحوحة تتكيء على خاصرة الوجع وفراق الأحبه ، مشى في ضفة خور أربعات الجاف شعر بطعم الملح في حلقة من كثرت السؤال ، عاد خالي الوفاض وهو يمسح حبات العرق من جبينه ويلعن سنسفيل حظه المنكود ، لم يستسلم للأحزان كانت تدفعه موجة من الطموح للقبض على حبه الهارب . في تلك الامسية المعجونة بالصمت قرر أن يواصل البحث للاسف سخرت الدروب من ركضه المتواصل ، شيعته رياح الخماسين فانكفأ يبكي كنخلة في أودية الصمت ، رأى ذات مساء نفسة مترسبلا بالحلم انطلق يعدو كبعير في صحراء بيوضة فأوصله الحلم الباهت الى ضفاف وادي ازوم في الغرب ، مشى الهوينا في الشوارع الرملية بمدينة الفاشر ارتاد مقهي على قارعة الطريق سأل العابرين ونسوة ضامرات مثل أشجار الحراز على قارعة الصحراء عن حبه الهارب ولم يجد اجابة شافية ، طار مثل صقر الجديان الى أعلى قمة لو شفت مرة جبل مرة سأل البساتين والرعاة والمزارعين في سفح الجبل ، لم يجد لديهم اجابة ، مشى بين القطاطي في قرية مهجورة تثير مشاعر الحزن والألم وهو يردد تفاصيل أغنية دكاكينية قديمة بمشي وبهاتي من المحطة لي فريق القطاطي ، الجميع كانوا منشغلين وكل زول في همه ، شعر أنه ربما يكون مصاب بلوثة في العقل ويحمل شهادة مجنون رسمي وشعبي ، أخيرا قرر الرحيل الى العاصمة القومية عفوا أقصد العاصفة القومية نظرا لما تشهده هذه الإيام من سيناريوهات عاصفة بين السلطة والمناهضين ، الرجل حينما تعب قال في نفسه «ياولد « العاصمة تمثل الوان الطيف كافة فربما تجد في احيائها المتخمة بالبشر والسيارات حبك الهارب ، حبك الذي يؤرقك ويذبحك من القاع إلى القاع ، في العاصمة شعر إنه مثل عصفور تتلقفه الرياح ، سأل المارة والباعة والمشترين وسائقي الركشات والشماسه على الارصفة ، سأل الخلاسيات والوجوه المغبرة والحانقين والمتعبين والذي منه ، شعر أن الكل مشغول بنفسه أخيرا جلس على مقهى شد شعره المنكوش ورفع عقيرته على ايقاع الدنيا ليل غربه ومطر . أوف يخرب بيوت أهاليكم ولاد أبالسه .