قبل عقد من الزمان.. وفي صيف مثل هذا.. أنا وزوجتي كنا نجوب أسواق القاهرة بحثاً عن زي أنيق يناسب مهمة مقابلتي للقنصل الأمريكي.. القنصل هو الذي يحدد إن كنت لائقاً للإقامة في أمريكا.. زوجتي كانت تفترض أن (بذلة إفرنجية) وحذاءً فاخراً ربما يجعلا المهمة أكثر يسراً.. كلما اخترت خياراً تهز رأسها وتحرك فمها يمنة ويسرى.. كان عليّ أن أفهم أن الاختيار الخطأ ربما يردني إلى الخرطوم.. والتي يومها كانت لا ترحم. وقفت أمام السيد القنصل في ذلك الصيف الغائظ وأنا أرفل في بدلة.. بدأت تفوقني حجماً.. ربما ظن (الخواجة) أنني استعرتها من غسال مجاور.. وتلك عادة يعمل بها في (أم الدنيا ).. فوجئت عندما وجدت القنصل يرتدي قميصاً ( كبدي نص كم).. مع ربطة عنق بسيطة ولكنها أنيقة.. كان ذلك الدرس الأول.. كيف تكون صديقاً للبيئة في ملبسك. تذكرت ذلك المشهد وأنا أقف قبل عامين أمام (بنت الاستقبال) في فندق القراند هوليدي فيلا.. بالطبع كنت أرتدي زيي المعتاد.. جئت إلى ذلك المكان تلبية لدعوة من مفوضية الأممالمتحدة لحضور ندوة.. (الست) المحترمة نظرت إليّ ملياً.. كأنها تحسب أنني جئت إلى العنوان الخطأ.. إمعاناً في التنبيه تحدثت إليّ في لغة إنجليزية.. لما رددت إليها الصاع صاعين انتبهت ونادت رئيسها في عربي فصيح.. ابتسمت وقلت لنفسي (ما قلتوا خواجات ).. جاءني الرجل وفي ذهنه تصريفي وصرفي.. مددت إليه ببطاقتي الصحفية.. ردها دون أن يجهد نفسه بقراءة ما تحويه.. (معليش يا أستاذ دا منشط خاص بالأممالمتحدة وما في صحافة). استجمعت قواي.. الهزيمة ليست خياراً.. رددت عليه بإنجليزية نيويورك (إذن لماذا تجهدون أنفسكم بدعوة شخص لا تحتاجوه ).. الكليمات آتت أكلها وأدخلتني في زمرة الناس المحترمين.. سألني الرجل بلطف عن اسمي.. راجع كشوفاته ووجد اسمي.. لامني على تقديم بطاقة صحفية.. قلت في سري هذه البطاقة الحقيرة في بلادي يسرت لي يوماً مقابلة السيد باراك أوباما.. وتلك قصة أخرى. عندما دخلت إلى القاعة الفسيحة.. أدركت لماذا أنا شخص غير محترم.. كل الحضور كان يرتدي بدل إفرنجية فاخرة.. بالعدم عمة وشال وجلباب ومركوب فاشري.. هل زاد الشعب ثراءً.. أم أن بدل الإيجار صارت متوفرة وبالتالي (المكوجية) صار سوقهم أوسع. لم تنتهِ مأساتي (يومها) كمواطن شعبي عند هذا الحد.. خرجنا من المنشط الأممي.. رأيت أمامي جنوبياً فاخراً.. يعني بدلة وشنطة وجزمة آخر صيحة.. ربما من أسواق نيروبي.. الرجل المحترم كان يقف على قارعة الطريق في انتظار عربة أجرة.. (حنيت) عليه.. واقترحت رفقتي في سيارتي المتهالكة.. قفز الرجل إلى المقعد الخلفي (بلا إحم أو دستور) أو حتى شاكر.. أرسل تعليماته بلغة آمرة.. فندق كنار لو سمحت.. الأخ الكريم ظن (العبد لله) تكاسي.. أكلتها.. الناس في هذا البلد أصبحت حساسة أي احتجاج ربما يثري أدب المركز والهامش. ماذا تروني فاعلاً.. هل أعود مواطناً عدواً للبيئة؟.. أم أكون من زمرة الناس (الما محترمة)؟ ü نعيد نشر المقال بسبب ملاءمة الظروف المناخية. }}