كان نهار الخرطوم مطرزا بالغيم ورائحة القنابل المسيلة للدموع ، بعض الشوراع كانت على غير العادة ، خاوية على عروشها ، في تلك اللحظة استيقظ جبرا الكحيان وتمطى مثل قط يتحفز لإصطياد فأر سمين ، الرجل الأخرق وضع سفة مثل دقار التريلا ، وخرج إلى زقاق يلفه الصمت وينام على إيقاع الغائبين في حضور الزمان ، ناس تتمطوح وناس تتأرجح وآخرون يقذفون الحيطان وأعمدة الإنارة بسيل من الشتائم بعضها من الطقطوق لي فوق ، صاحبكم جبرا دخل إلى منزل يعرفه جيدا منزل إعتاد على زياته كلما شعر بالضيق من الحياة وبلاويها ، صاحبنا نادى من أقصى حنجرته المبحوحة على ست الدار فأحضرت له الحصة اليومية ، فكرع صاحبنا من المنكر وخرج وهو يتمطوح ويهذي بأغنية يسب فيها إمرأة تركته على قارعة الزمن ومضت إلى حال سبيلها ، وفي تلك اللحظة الفارقة بين الغياب والحضور شاهد جبرا سيناريو مظاهرة عارمة حرق فيها المحتجون إطارات السيارات وكانوا يهتفون بشعارات مسجوعه على الآخر ضد الغلاء والحكومة والذي منه ،غير أن القبضات الحديدية سرعان ما فركشت المظاهرة وتفرق المحتجون في الإزقة وبقي صاحبنا جبرا وحده يتمطوح وفي فمه بقايا أغنية جافة ، وفي تلك اللحظة أخذته الهاشمية وأطلق سيل من الهتاف يخرب بيت الحكومة يخرب بيتا خربت بيتنا وطلعت زيتنا وإستمر صاحبنا يردد هذا الهتاف وهو في قمة الإنتشاء ، فيما كان في لسانه يخذله لسانه في بعض الأحيان ، ويرفع عقيرته بإيقاع أشبه بالزفيز وحينما وصل إلى إحدى الساحات كانت رائحة القنابل المسيلة للدموع تزكم الأنوف غير أنها لم تؤثر فيه لأنه كان غائبا في حضور الزمان المهم الحكاية وما فيها أن صاحبنا جبرا ظل يردد هتاف يخرب بيت الحكومة ، غير أنه وقع شراك أربعة من رجال الأمن وعندها صاح أحدهم . تقول شنو يا زول يخرب بيت منو . وعندها إنتشى جبرا وصاح بعفوية مثل طفل يشاهد القمر لأول مرة يا زول والله إنتا رايع .. عجبتك الغنية وبدأ يهتف من غرف أعماقه يخرب بيت الحكومة إلى آخر الموال وقبل أن يكمل الكوبليه الأخير شعر بضربة من عصا غليظة على ظهره فأطلق آهة خافتة وإستمر في ترديد الموال ، وحينما شعر صاحبنا انه محاصر ، رفع عقيرته وهي يتلوى من آثار الضربات الموجعة يأخوانا أنتو مالكم ومال الحكومة أنا قلت يخرب بيتها أصلو بيتها هو بيتكن المهم عندها راحت السكرة وجاءت الفكرة حينما إكتشف صاحبنا جبرا الجربان أنه وقع في مطب من العيار الثقيل ، ولحظتها أسعفته بديهته وقال وهو يمط صوته مثل مغني في آخر الليل أنتو قايلين الحكومة دي منو قول لينا منو الحكومة دي ما مرتي أجاركم الله منها خربت بيتي وأدبتني أدب الفيله ورغم ذلك تمت جرجرت صاحبنا إلى أحد أقسام الشرط ونال نصيبه من الضرب وغادر القسم بعد يومين وفي شفتيه بقايا أغنية جافة ، يخرب بيت الحكومة .