الأخ الأستاذ.. الصديق السموأل خلف الله.. الذي كان وزيراً لك التحايا والأشواق.. والود.. وشوق لا يحد.. والآن فقط نعود إليك.. تحملنا كلمات أغان مترفة.. تعدو بها الريح.. الآن فقط نعود إليك.. وأنت ذاك المبدع الجميل الأنيق.. الذي كم.. كم ركضنا حفاة في روعة عشب «أروقة» الأخضر.. وكم.. كم نهلنا من غير ارتواء.. من شهدها المصفى.. الآن فقط نعود.. وأنت تعود إلى «مصابيح الهدى» الذي أسهر ترقباً له ولهفة له في «أنصاص» الليالي.. وأنت تحاور في ذكاء وتبحر كصياد لؤلؤ.. حاذق.. لتنثر على أطرافنا روعة سهام الخواض.. وذاك النوبي الفصيح.. وتضيء ليالينا مصابيح شديدة الضياء باهرة الأضواء.. هل أقول إني حزين لاقصائك من الوزارة.. أم أغني «الغنا الحافظوا كلو» وأنت تغادر مركباً وسعت كل البحارة الذين لم يبارحوها لثلاث وعشرين سنة وتزيد.. ولم تحتملك أنت «متضايراً» في «خشبة» لا تزيد عن نصف المتر.. أنا سعيد.. بل لا أجد كلمات تعبر عني غير «أنا بيك سعادتي مؤكدة وبلاك حياتي منكدة» سعيد لأنك بخروجك ذاك قد انسدلت القيود.. قيود الوزارة.. جدلة في الأيادي.. سعيد لتتفرغ تماماً لقلعة بل بستان «أروقة» التي كم.. كم.. ولدت فيها معاجم مدهشة.. ودواوين شعر مترفة.. وروايات شاهقة.. أنا حزين.. والإخوة في المؤتمر الوطني.. «يطبظون أعينهم» بأصابعهم.. يطيحون بأكفأ الوزراء وأغزرهم عطاء وانجازاً.. يا إلهي.. لا أستطيع أن أفهم كيف ترى الانقاذ أحد نجومها الزواهر وهو يغادر كرسي الوزارة تلك التي بث الروح في جسدها المتيبس.. ودفع الدم حاراً في أوردتها وشرايينها التي كانت نافرة وناحلة.. استاذ السموأل.. أظنك تعرف جيداً.. إني لا أداهن أحداً.. ولا أتملق أحداً.. بل اني كتبت لك شخصياً وبعد أدائك القسم وزيراً للثقافة.. كتبت لك كلمات وداع وقلت تحديداً إن هذا آخر عهدي بك.. فقط لأني لا أقف أبداً بباب سلطان.. ولست على استعداد.. لا ماضياً ولا حاضراً ولا مستقبلاً.. أن أسعى لأحد مهما كان صديقاً وأخاً.. حال توهطه على كرسي السلطان.. والآن فقط أقول.. لك وبعد أن غادرت ذاك الكرسي.. كرسي الوزارة.. إنك قد أتيت بما لم تستطعه الأوائل.. ودعني أذهب أبعد من ذلك لأقول.. إني لم أسمع مجرد السمع بوزارة للثقافة قبل أن تصبح وزيراً لها.. وصحيفة انجازك لا ينكرها إلا من ينكر ضوء الشمس عن رمد.. يكفي شخصك فخراً إنك قد أقمت الحفلات الغنائية والليالي الموسيقية.. رغم أنف الطالبانيين الذين سحبوا حتى الضوء من فضاء الوطن.. أولئك الذين بلغ الغلواء بأحدهم وهو يطرد مطرباً من صف الصَّلاة وداخل أسوار المسجد بحجة أنه فاسق.. وصفحة مضيئة أخرى.. وأنت تعيد لنا الأمل في شبابنا.. والذين كنا قد «قنعنا» منهم باطناً وظاهراً.. بدعوى أنهم لا يعرفون حرفاً واحداً من الغناء البهيج والرصين الذي كان في ذاك الزمن الزاهي والسماء تحتشد بالنجوم الزاهرة والساهرة وأفلاك تضيء وتلمع.. وكواكب تدور في إبهار في مجرتنا البديعة.. إنهم.. وردي.. عثمان حسين.. حسن عطية.. التاج مصطفى.. كابلي.. وكل حبات ذاك العقد النضيد والفريد.. السموأل.. أنا لن أنسى تلك الليلة التي وهبتنا اياها.. ولن أنسى تلك القاعة المحتشدة بالشباب.. صبيان وصبايا.. والموسيقار عثمان محيي الدين يعزف في إبهار مقطوعات موسيقية للمبدع الفنان الجميل التاج مصطفى.. كانت فقط مقطوعات موسيقية بلا غناء وكم كانت دهشتي عظيمة.. وكم كانت دموعي تتدفق كمطر العينة وأنا اسمع واستمع في دهشة إلى هؤلاء «الأولاد والبنات» وهم ينشدون في أناقة.. يا نسيم أرجوك روح لها وحييها.. السموأل.. ستعلم الانقاذ لاحقاً إنها أضاعت مبدعاً.. وسنردد يوماً أي فتى أضاعوا!