تاريخ التعليم العالي بالسودان يشير إلى أن مؤسساته كانت محدودة.. فقد بدأ زماناً بكلية غردون التذكارية، والتي تطورت أخيراً إلى جامعة الخرطوم، والتي تشرفنا أن تلقينا فيها تعليمنا الجامعي، ولكن في نهايات عهدها الذهبي، وقد سبق أن تحدثت عنها كثيراً، ولكني في كل مرة أحس بأن هناك بقية كلام عنها، فهي حقيقة سجل واسع في التاريخ، والحديث عنها لا يكمل، وقد تزايدت بعد ذلك مؤسسات التعليم العالي، فكانت جامعة القاهرة فرع الخرطوم، والتي كانت الدراسة بها مساء، وقد كنا نمرح مع زملائنا بها، ونقول لهم «محو الأمية» باعتبار أن فصول محو الأمية كانت تعمل ليلاً، ثم نشأت جامعة أم درمان الإسلامية، ثم جامعة القرآن الكريم التي تطورت من معهد أم درمان العلمي الشهير، وتلى ذلك قيام جامعة الجزيرة، حتى أنفتح باب إنشاء الجامعات حتى بلغت الآن المئات من الرسمية والأهلية، وقد كانت توجد بجانب تلك أعداد من المعاهد منها.. المعهد الفني- ومعهد المعلمين العالي- والكلية المهنية- وقد كان عدد الذين يقبلون بالجامعات والمعاهد العليا محدوداً، وعلى سبيل المثال فإن دفعتنا بكلية الآداب بجامعة الخرطوم كانت تتكون من أقل من مئتين من الطلاب. أما الآن فقد انتشرت هذه الأعداد الكبيرة من الجامعات، وأصبح لكل منها بيئتها وشكلها وشخصيتها. وقد لاحظ البعض أن بعض هذه الجامعات تفتقر للكثير من المقومات.. فبعضها تم قيامه في مباني مدارس ثانوية سابقة مع الإضافات والاصلاحات. وبعضها شيد على عجل وبامكانات محدودة ومتواضعة، ولكن رغم ذلك فإن انتشار هذه الجامعات بمدن السودان المختلفة، قد أعطى لتلك المدن دفعات في الثقافة والحياة الاجتماعية والأكاديمية. ومن هذه الجامعات التي نشأت بأسس ثابتة وبخطة مدروسة جامعة الرباط الوطني.. وهي جامعة- رغم أنها مازالت في سن الشباب- إلا أنها قد أضحت من الجامعات التي يشار إليها بالبنان، فهي في الجوانب الأكاديمية تعتبر من الجامعات المميزة، وذلك لما يتميز به أساتذتها وإداراتها العليا والقائمون على الشأن الأكاديمي بها، وأصبحت أمنية الطلاب والأسر أن يجدوا فرصة فيها.. أما من ناحية الانضباط فهي بطبيعة تبعيتها تمثل عالماً من الاستقرار، فالزي المميز الذي يرتديه طلابها وطالباتها فهو مكون من هذه الألوان المتناسقة البني والبيجي، وهي ألوان- حسب ما يقول المختصون في الألوان وخلطها- تمثل درجة من درجات اللون الكاكي، وهو لون معروف بالانضباط والنظام وتحمل المسؤولية، فارتداء طلاب هذه الجامعة للزي من هذه الألوان المشتقة يجعلهم قريبين للانضباط، وهو فعلاً ما يتميزون به.. لقد لاحظت في الأيام الماضية طلاب عدد من الجامعات وهم يشاركون في أحداث الشغب المحدودة، ورأيت عربات الشرطة ترابط أمام بوابات عدد من الجامعات.. في هذا الوقت كان طلاب وطالبات الرباط يحملون كتبهم ويتجهون إلى قاعات الدراسة في هدوء ونظام وانضباط رائع- هؤلاء هم الذين ينتظرهم الوطن، وهم يتخرجون علماء في مختلف المجالات.. إن الضوضاء التي يحس بها المارة أمام بوابات الجامعات والشوارع المحيطة تنعدم أمام جامعة الرباط، سواء أن كان في سنترها أو فروعها المنتشرة بأم درمان، والطائف، وخلافها، وما لفت نظري في هذه الجامعة أيضاً هو البيئة، فقد سعدت بمشاهدتها من الداخل لأول مرة عندما زرت أحد الأساتذة، فرأيت ما رأيت من جمال ممثل في العناية الفائقة بالتشجير والتنجيل والأرصفة والميادين.. حقيقية تحس وكأنك في جامعة من جامعات الدول المتقدمة جداً.. إن مثل هذه البيئة تساعد على الاستقرار والتحصيل وتروح عن النفوس، فتزيد جمال الجامعة جمالاً، وروعتها روعة، ونجاحها نجاحاً..إن جامعة الرباط قناة من قنوات التعليم العالي مميزة، وأنها مثال لجامعة الحاضر والمستقبل.. فالتحية لإداراتها وأساتذتها الأفاضل، والتهنئة لطلابها وطالباتها، وهم يمثلون عماد هذه الجامعة المميزة في كل جوانبها، وأرى أن خريجي هذه المؤسسة سيكونون إضافة ممتازة لإعمار الوطن وبناء نهضته.