شخصياً لا أعرف من أين جاءت (الشيشة) وليست لدي أية معلومات عن أصلها وفصلها وموطنها الأصلي وإن كان البعض يقول إن الهنود هم أول من استخدمها ثم انتقلت منهم إلى أرض فارس فتركيا وعدد من بلدان الخليج وجاءت إلى مصر في عهد محمد علي باشا أو ربما قبله بقليل ثم زحفت بعد ذلك إلى السودان زحفاً بطيئاً ولم تُعرف إلا في مقاهٍ قليلة من أشهرها قهوة (الزيبق) في الخرطوم، وقهوة (ود الأغا) في أم درمان، ومقاهٍ صغيرة متناثرة خلف ما يسمى في السابق ب (سوق الموية) جهة مقهى جورج مشرقي الشهير بأم درمان.. لكن المؤكد تماماً أن الشيشة لا زالت تستورد حتى يومنا هذا في كثير من الأقطار المستهلكة من الهند الصديقة.. وعندما تدخلت اليابان بحذقها ومهارتها وأيديها أنتجت الشيشة الصغيرة المختصرة التي عرفها العرب باسم (المطبقية). لم أر (شيشة) خلال طفولتي وصباي إلا من خلال الأفلام المصرية، ورأيتها لأول مرة في حياتي عند أول زيارة لي للأراضي المقدسة وأنا في المرحلة الثانوية عام 1974م في مقاهي مدينة جدة التي كانت أقرب للفنادق الشعبية آنذاك، وجربتها كثيراً ومعي عدد من زملاء الدراسة لتنقطع صلتي بها منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا ولم أعد أراها إلا في المقاهي والمحلات داخل وخارج السودان أو في متاحف قليلة منها متحف مجلس الشعب المصري الذي زرته قبل أشهر قليلة ولفت نظري خلال الزيارة لوحة زيتية جميلة لأحد خديويّي مصر وهو (يؤرجل).. طبعاً للشيشة أسماء عديدة منها (الأرجيلة) كما يسمونها في الشام أو (النارجيلة) كما يطلقون عليها في العراق أو (القداعة) كما هي في اليمن السعيد، لكنّها لا تجد لها سوقاًِ هناك حيث لا منافس للقات إلا القات.. وتسمى أحياناً (البوري) في مصر إلى جانب أسمائها الأخرى. أما المدهش حقاً فهو أن العرب عموماً نقلوا بعض عاداتهم وسلوكهم إلى بعض (شوارع) أوربا وليس إلى أوربا كلها، لأنني شاهدت مقاهي شارع (إدجوار رود) في العاصمة البريطانية تعج بالأشقاء العرب وتضج بهم ويكاد دخان الشيشة فيها يعمي الأبصار، مع لافتات بيع الفول والفلافل وغيرها. يوم أمس شاهدت مئات الرؤوس الخشبية والوصلات الزجاجية والخراطيم الطويلة داخل مجمع المحاكم بالخرطوم انتظر أن تتم مناداتي للمثول أمام قاضي محكمة الصحافة في إحدى القضايا المرفوعة ضد الصحيفة، وقد طغى المشهد على ما سواه، خاصة وأن هناك مجموعة من الشباب والصبية المساكين قد وقعوا في شر أعمالهم بعد أن صدر قرار مفاجئ من الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم بمنع الشيشة في المحلات العامة ضبطاً للمسلك العام.. وكنّا نرى أن يكون القرار هو تشديد الضوابط وحظر تقديمها لمن هم دون العشرين ومنع تقديمها للنساء مهما كانت أعمارهن.. لأن الشيشة مثلها مثل السجائر فكله تدخين وضرر.. والشيشة لا يمكن التحرّك والسير بها مثل السجائر، فإن كان من منع حقيقي فهو منع التدخين في الأماكن العامة تماماً وحظره، وتضييق الخناق على متعاطي السجائر حتى يضطروا إلى الإقلاع عنه، لنبدأ مرحلة أخرى مع (التمباك) أو (الصعوط) بمنع بصقه على الطرقات وتحريرمخالفات لكل من يقوم بذلك الفعل ويضطر مستخدم الصعوط إلى تركه إذ يصعب عليه أن يسف.. ويبصق في جيبه. و... رمضان كريم..