ما من أحد يفكّر في أن «العقل» و «المنطق» سيكون هو «أساس» الحوار، مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية، إلا وخذله قادة القطاع «المنكوب» بأن جنحوا إلى الجنون المطلق والمنطق المعوج، مثلما فعلوا يوم أمس الأول عندما قطع «القطاع» الطريق أمام التفاوض مع الوفد الحكومي، بطرحه لقضايا لا علاقة لها بأجندة التفاوض، في مسعى منه على ما يبدو لإيصال المتفاوضين إلى طريق مسدود ونقطة لا رجعة منها حتى يحين الموعد الذي حدده مجلس الأمن من خلال القرار «2046» بأن يكون الثاني من أغسطس آخر فرصة للتوصل إلى اتفاق، وإلا سوف يتدخل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. أمر التفاوض ظل شغل السياسيين والصحفيين والإعلاميين الشاغل، وكذلك كان شغل كل الذين يهمهم أمر الوطن، لكن لا هؤلاء ولا أولئك لم يكن في حسبانهم أن يعرقل «قطاع الشمال» في الحركة الشعبية أمر التفاوض حول خارطة طريق مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي بشأن منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالانصراف عن القضية «الأساسية» إلى قضايا «سياسية» فرعية بعيدة كل البعد عن قضايا المنطقتين، و «الانحراف» بمسيرة التفاوض إلى تكوين لجان مماثلة لما ادعته مظالم مناطق دارفور، وهذه محاولة لإرضاء حلفاء الحركة الشعبية الجدد من حركات دارفور المسلحة، إضافة إلى تكوين لجان مماثلة لمعالجة مظالم شرق السودان، و «السدود» وشمال كردفان، ومشروع الجزيرة، أي باختصار تبنى قطاع الشمال بالحركة الشعبية «كل» القضايا ذات الصلة به وغير ذات الصلة لإجهاض أي مسعى يقود إلى اتفاق حقيقي وسلام بين السودان ودولة جنوب السودان. ظللت على المستوى المهني والشخصي أتابع مجريات التفاوض يوماً بيوم ولحظة بلحظة، وظللت أدوام على الاتصال بالعاصمة الأثيوبية وبأعضاء الوفد الحكومي المفاوض وبعدد من الزملاء الصحفيين والمراقبين هناك لأكون قريباً من الصورة ومعايشاً لأحداث ومجريات التفاوض، وقد صدمت يوم أمس الأول عندما تحدثت عن طريق الهاتف مع الدكتور كمال عبيد رئيس الوفد الحكومي المفاوض، وسألته عن التفاصيل فنقل إليّ تلك العراقيل التي وضعها قطاع الشمال أمام التفاوض، وقد ذكرت للدكتور كمال عبيد أن موقف قطاع الشمال يرمي إلى أن يدخل الجميع في نفق القرار «2046» أو إلى أن يتخذ الوفد الحكومي موقفاً مبنياً على «الانفعال» يقضي بقطع التفاوض والعودة إلى الخرطوم، لتكون النتيجة واحدة وهي «عدم التوصل الى اتفاق» لتمنح تلك النتيجة مجلس الأمن الذريعة للتدخل السريع والفوري. سألت الدكتور كمال عبيد عن موقفهم بعد أن أعلن قطاع الشمال عن موقفه، فرد بأن الوفد الحكومي سيرفع تصوره للوسطاء وسيعلن موقفه للصحافة والإعلام من خلال مؤتمر صحفي لكنه لن يقطع التفاوض وسيظل على مائدة الحوار إلى أن يصل الوسطاء إلى قناعة تامة بأن الوفد الحكومي لم يكن السبب في تعثر المفاوضات أو إيصالها إلى نقطة اللاعودة. الفريق الذي يفاوض باسم «قطاع الشمال» لن يكون هدفه «السلام» بل «الحرب» خاصة وأنه يقوم على ثلاث شعب هي «عقار» و «عرمان» و «الحلو».. وكما نقول في أمثالنا الشعبية: «المجرّب لا يُجرّب»، و لكن نأمل في أن نمنح الوسطاء والعالم الفرصة ليجربوا الذي جربناه، وليخبروا الذين خبرناه.. ليعرفوا الحقائق والأفعال التي أدت إلى جريان نهر الدم وبناء أسوار الشك، وتكوين جبال الحقد الذي يزيده استخفاف «عرمان» ورعونته وطيشه المعلوم.