في مارس من العام 2009 انقسمت الخرطوم الى طائفتين..طائفة ترى ضرورة ان يشارك الرئيس في مؤتمر القمة العربية المنعقد نهاية ذاك الشهر بالدوحة القطرية..فريق من الشيوخ اصدر فتوي تمنع الرئيس من السفر في تلك الاجواء الملبدة باتهامات المحكمة الجنائية الدولية ..في تلك الجولة انتصر الرئيس لمستشاريه السياسيين ودلف الى دوحة العرب مصوّباً صفعة للمحكمة الجنائية. أمس الأول صدر بيان من هيئة علماء السودان..البيان يطلب من الحكومة فض يدها من مفاوضات اديس ابابا الجارية مع قطاع الشمال..اجتهاد هيئة علماء السودان يبنى على فرضية ان قطاع الشمال معاد للشريعة الاسلامية والسودان الموحد..بيان هيئة العلماء كان هادئا مقارنة ببعض ائمة المساجد الذين أفتى بعضهم بعدم جواز الحوار مع قطاع الشمال من حيث المبدأ. الطريف ان بيان الهيئة تزامن مع سفر رئيس الجمهورية للدوحة للتباحث مع القيادة القطرية في العلاقات الثنائية..بالطبع نسيت الهيئة فتواها القديمة وطائرة الرئيس تعانق الأجواء الدولية..ولكن المشايخ دلفوا الى أمور ربما تقع خارج تخصصهم في العلوم الشرعية..حيث تحدث البيان عن البطالة والفقر ..وانتقد ذات البيان وزارة الكهرباء بسبب زيادة تسعيرة الكهرباء..ليس من المنطق ان يحشر المشايخ انفسهم في امور لا يحيطون بها علماً ..اكاد اجزم ان بين هولاء من لايفرق بيسر بين كيلو الباسطة و(كيلو واط ) الكهرباء ..رغم هذا يتمدد البيان في مساحة ربما تكون مسجلة حكرا لمؤسسات تتعاطي السياسة والاقتصاد في نشاطها. الشيخ علي عثمان النائب الأول أكد أن الدولة ستلتزم بفتاوي مجمع الفقه الاسلامي في المسائل القطعية..هذا يعني ان مجمع الفقه اصبح احد مستويات السلطة في البلاد باعتباره يملك حق نقض الكثير من السياسات..خطورة الأمر ان سلطة المشايخ ستكون مطلقة..تأخذ شيئا من السلطة التنفيذية بتدخلها مثلا في تحديد الاسعار..وتحظي ببعض من عمل البرلمان في حقه المعلوم في التشريع..ولعل الأخطر التصادم مع السلطة القضائية التي يجب ان تفصل بين السلطات المختلفة في الدولة. نحن الان نقترب من فكرة الدولة الدينية في ايران..سلطة الولي الفقيه إبتدعت في ايران مجلس تشخيص مصلحة النظام..هذا المجلس اقوى من رئيس الدولة ..اعضاؤه يعينهم مرشد الثورة ويفصل في الخلافات التي تقع بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور. في تقديري أن الدولة يجب ان تتعامل بحذر وحسم مع موضة الفتاوي الطائرة في السوق..وأن تضع مجمع الفقه كسلطة استشارية يستعان ويستأنس برأيها عند اللزوم..اما عدم توافق السياسات مع الدستور السائد يجب ان تكون أمراً حصرياً للقضاء السوداني. كما أنه .. ثمة تحالف سري بين المؤسسة الدينية والحكومة في السودان..الحكومة في موسم الحديث عن التقشف عينت الشيخ عصام البشير رئيساً لمجمع الفقه الاسلامي..أول دولة زارها الشيخ عصام بعد تقلد منصبه كانت المانيا..أول فتوى أثارت جدلاً كانت تحليل مجمع الفقه للاقتراض بالفائدة عند الضرورة. أول رصاصة ستصيب هذه الحكومة ستخرج من بوابة التكفير والفتاوي الظلامية ولكنهم لايعلمون.