علاقتي بالأماكن مثل علاقتي بالناس.. أعشق رياضة المشي منذ كنت صبياً.. وكراعي يبدو أنها خضراء.. فكل الأماكن الخلاء التي مارست فيها هذه الرياضة وعشقتها كأماكن حبيبة.. أصبحت بنايات أسمنت وعمارات سكنية.. ولما حوصرت المساحات التي أمشي فيها في الحلفايا ماعرفت كيف أمارس رياضتي.. لكن منّ الله عليّ بكُبري الحلفايا.. ومنذ أن بدأ العمل فيه عرفت أن هذا الكُبري حقي.. تابعته بمحبة منذ كان أكوام تراب إلى أن تم افتتاحه.. لذلك فأنا أمشي فيه بصفته مملوكاً لي.. أخذت أمارس فيه رياضة المشي.. لم يكمل الكُبري عامه الأول.. لكن بدأت أرصفته تتهدم.. وتكشف عن حاجة غريبة.. إن الرصيف ليس سوى بلاط أسمنتي موضوع على رمال.. بدأت حواجزه تنهار.. وإذا مررت به ستجد أنه بعد كل عدة أمتار تهشم الرصيف وطار البلاط.. وظهر الرمل.. لا أدرى ما الفكرة الهندسية أن تعمل رصيفاً ببلاط موضوع على رمل دون أي مجهود أو أسمنت أو طين.. المهم إذا استمر الحال هكذا سيصبح الكوبرى بلا أرصفة.. كما أنه لاتوجد أي متابعة لنظافته حتى ناهيك عن ترميمه.. الدليل على الإهمال وعدم المتابعة أن كلباً صدمته عربة فنفق و أزاحه أحدهم إلى الرصيف و ظل هكذا لما يقارب السنة ومازال هيكله باقياً على الأرصفة.. أكوام من القمامه والأكياس الفاضية.. منذ شهور عربة النفايات لاتمر بالكُبرى.. ويبدو أن الحكومة لا أدرى إدارة الطرق أم الشؤون الهندسية أم هيئة الجسور.. المهم من يهمه الأمر لم يفعل أي شيء بعد افتتاح الكوبري.. أما رواد الكُبري ففيهم من لايحترم الكُبري.. ببساطة يمكن أن يقرّش أحدهم بوكسيه أو ركشته أو موتره في الرصيف.. يصعد إلى الرصيف بتاع المشاة يهدم جزءاً منه ثم يحرم هواة المشي والتسكع فيه من مشوار بلا منغصات.. بعض الشباب يحتل الرصيف ليلعب الكوشتينه أو لتناول الشاي والقهوة.. إنه احتلال غير مشروع لأرصفة الكُبري.. لاأدري هل يتم تعليق لوحة ممنوع طلوع العربات والركشات والمواتر على الرصيف لكن إذا حدث ذلك فيادوب حِلت ليهم الحكاية.. فنحن نحب المعاكسة وشعارنا الممنوع مرغوب فإمعاناً في المعاكسة ستزداد بسبب لافتة المنع خروقات الاعتداء على الرصيف.. والدليل على حبنا للمعاكسة تجده من حولك فإذا طلبت من أولادك تنظيف البيت مثلاً فإنهم لن يفعلوا وسيماطلون.. لكن لو قلت لهم أوعه وأحد ينظف البيت لأن عندي مزاج لتنظيفه سيهرعون بهمة إلى نظافته.. ألا ترى في أهزوجة الأطفال لمن كنت صغير بلعب في التراب مقطع يقول: مشيت للأفندي أدانى كراسات قال ليا اكتب عربى كتبت ليهو حساب.. أليست هذه المعاكسه أليس هو حب المعاكسة.. كنت أرى قبل الانفصال أن الإخوة الجنوبيين يحبون المعاكسة في نطقهم للغة العربية أو العامية فإن قلت له قول سمك قال شمك وإذا قلت له قل شجر قال سجر.. يعنى هو قادر على نطق الحرف صحيحاً ولكن حباً للمعاكسة ينطق السين شيناً والشين سيناً.. لصديقنا المخرج شكر الله خلف الله مقولة تذهب إلى أننا في السودان.. ننجز تسعين في المائه من المشروع بهمة ونشاط وحماس ولكننا نتقاعس ونتراجع في العشرة في المائه المتبقية ونفقد المشروع كله.. وهذا صحيح والدليل على ذلك كُبري الحلفايا إذ تقاعسوا عن المتابعة والمراقبة والتقويم.. عموماً أدركوا كُبري الحلفايا فالحكاية ملحوقة.. إعادة الأرصفة التي تهدمت بدون فلسفه هندسية.. متابعة نظافة الكُبري أسبوعياً وتخصيص عربة نفايات لذلك.. توعية مستخدمي الجسر.. وتنبيههم إلى عدم الصعود بعرباتهم وبواكسهم وركشاتهم ومواترهم إلى الجسر فشارع الأسفلت مخصص للعربات.. كما عليهم عمل مواقف للسيارات في ملاذات آمنة.. تخفيف الأتاوات على ستات الشاي والقهوة على أرصفة الكُبري حتى يجد الناس مقاه شعبية يتنفسون هواء نقياً بحرية.. لو تكلم كُبري الحلفايا لقال: انجدوني انجدوني!!