شواطيء النيل على امتداد مجرى النيل العظيم، هي ملك للأجيال على مر العصور وفق هذا المفهوم المتعارف عليه في كل بلاد الدنيا التي لديها أنهار ومجاري مياه، وفق هذا لابد أن تكون هناك قوانين ولوائح واضحة ومعلنة تحدد اشتراطات هندسية وبيئية وسياحية تحفظ هذا الإرث الإنساني العظيم من الاعتداءات العمرانية والتلوث البيئي والنشاط الإنساني المخل بطبيعة النيل وفروعه وشواطئه المتعددة في كل ربوع السودان شماله وشرقه. وقيمة النيل عند الإنسان السوداني يحكي عنها التاريخ والحضارة السودانية على امتداد مجرى النيل شمالاً، وتلك الحياة المرتبطة بالزرع والضرع على ضفاف النيل في كل ربوع البلاد. وليس غريباً أن تشاهد الإقبال الكبير من مواطني العاصمة على شواطيء النيل بعد أن قامت ولاية الخرطوم بذلك العمل العمراني الضخم في تأهيل شارع النيل وإنشاء حدائق وتعبيد ممرات على امتداد شاطيء النيل في عدة مواقع بالخرطوم جنوباً ًوأم درمان شمالاً. وبعد مرور أكثر من عامين على تأهيل جزئي شارع النيل، لابد أن يكون المسؤولون فى ولاية الخرطوم قد رصدو إقبال المواطنين بكل قطاعاتهم فرداً وجماعات وأسر لاستغلال شارع النيل، ترويحاً عن النفس، بعضهم يمارس رياضة المشي والجري وغيرها من الرياضات، وبعضهم جلوس في لقاءات أسرية وجلسات أنس فنية وغيرها من مظاهر السياحة والترويح. هذا الكم الهائل من البشر لابد أن يحتاج إلى خدمات خاصة وإن وجد الناس فى الأمسيات طيلة أيام الأسبوع من بعد العصر إلى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. وهكذا وبصوره تلقائية وسريعة انتشرت عشرات، بل مئات بائعات الشاي والقهوة والمشروبات الأخرى، وكذلك الباعة المتجولين يبيعون المأكولات والمشروبات وبعض الخردوات، كل هذا بصورة عشوائية وتلقائية.. وفي البداية وحتى وقت قريب، ظلت شرطة النظام العام تعسكر وبصورة دائمة في ذلك الموقع وتطارد بائعات الشاي وتصادر أدواتهن، ولكن الآن توقفت تلك الحملات تماماً، ويظهر أن هناك جهة تقدمت ببعض المظلات والترابيز لعدد قليل من بائعات الشاي لكن لم يتغير الوضع، إذ أن عدداً كبيراً منهن ترك تلك الترابيز جانباً وظللن يمارسن الوسيلة القديمة المتخلفة في صنع الشاي والقهوة باستعمال الفحم والحطب كوقود بدل الغاز، ثم أهم من كل ذلك أنه ليس هناك مصدر مياه في الموقع، فنجد هناك من يتاجرون في بيع المياه، حيث ينقلونها من أماكن غير معلومة وفي أوانٍ غير صحية، وتستعملها بائعات الشاي في غسيل الأواني بصور مخلة وغير صحية، كما تستعمل في صنع الشاي وبقية المشروبات، ولا تخضع كل العملية إلى أي اشتراطات صحية حتى البائعات أنفسهن لا يخضعن إلى أي إجراءات صحية، حسب قانون رقابة الأطعمة من المفترض أن يخضع كل من يعمل في إعداد الأطعمة والمشروبات في الأماكن العامة، إلى الفحص الطبي، حيث يستخرج له كرت صحي بعد التأكد من خلوه من الأمراض، ثم يستخرج له كرت صحي يجدد بين الحين والآخر.. كل هذا مفقود رغم أنه موجود في القوانين واللوائح منذ أكثر نصف قرن. نأتي بعد ذلك إلى دورات المياه، وطبعاً التي غير موجودة، حيث يبرز سؤال كبير ومهدد صحي خطير: أين يقضي هؤلاء الآلاف المؤلفة من البشر حاجتهم وهم قابعون على شواطيء النيل الساعات الطوال؟ ثم النفايات المتناثرة في كل مكان، فالذي يأتي مبكراً عند الصباح يرى العجب من أكوام النفايات بكل أنواعها والتي يأتي عمال المحلية لنظافتها صباحاً من كل يوم، ولعل من أهم الأسباب عدم وعي المواطن، بجانب عدم وجود العدد الكافي من سلات النفايات، وبعض تلك التي وضعت على ممرات المشاة، أولاً لا تلائم نوع النفايات.. ثانياً صغيرة الحجم ومصنوعة من مواد هشة وكلها الآن في أقل من عام تحطمت وتكسرت جنباتها وصارت غير صالحة للإستعمال، كل ذلك والموقع الذي وضعت فيه غير مناسب البتة، حيث تشكل أكبر عائق لحركة المشاة في الشارع، ولا أعلم من الذي قام بوضعها هناك وبهذه الصورة دون مواصفات، وكم كلفت الواحدة منها دافع الضرائب.. لكن اعتقد أن الأمر برمته يرقى إلى المساءلة القانونية، ولقد فطن المسؤولون لسوءات تلك السلات فقاموا مؤخراً بوضع براميل حديد على جنبات ووسط الشارع، وقد خدمت أكثر من سابقاتها. وإذا عرجنا إلى الجزيرة وسط الشارع، نجد أنها تزينت بأشجار النخيل الباسقة، كما أن هناك محاولات لزراعة زهور وشجيرات الزينة حولها.. لكن حسب متابعتي واهتمامي بأمور الزراعة، فإن أموالاً كثيرة وجهوداً مضنية قد بذلت في زراعات مختلفة لم تنجح، وقد يكون السبب عدم اختيار النباتات المناسبة أو عدم المداومة على الري والرعاية، والآن أرى نفس المشكلة تتكرر مرة أخرى وتزرع نباتات في اعتقادي أنها غير مناسبة لهذا المكان، وقد تصاب بالجفاف إذا لم يتوفر لها الري والرعاية، فأرجو أن يكون هناك برنامج متابعة بستانية متكاملة.. ويا ليت تزرع كل ألوان شجيرات الجهنمية ومثيلاتها من النباتات التي تتحمل الجفاف ولا تحتاج لكثير من الرعاية. كما هو واضح مما ورد أعلاه إنني من المواظبين على رياضة المشي والترويح بشارع النيل منذ عدة سنوات، وفي الآونة الأخيرة أصبح من الصعب ممارسة رياضة المشي نسبة لازدحام بائعات الشاي وروادهن، وحتى أن وقوف العربات على جنبات الشارع لا يخضع لأي ضوابط، فباختصار يمكن القول إن هناك عملاً كبيراً ومرفقاً ترفيهياً وسياحياً مهماً قامت بإنشائه ولاية الخرطوم، ثم انقضت مدة كافية لرصد التوافق والمتطلبات الخدمية والإنسانية المفترض توفرها حتى يكتمل هذا العمل الجليل ويؤدي الخدمة المناط بها للمواطن فى العاصمة الخرطوم، والأمر يتطلب إشراك ذوي الخبرة من مجالات مختلفة هندسية جمالية بستانية وإدارية... الخ