عندما نتحدث عن تميّز إنسان الشمال لا ننطلق من منطلقات جهوية أو عنصرية.. ولا نمارس أي استعلاء عرقي.. ولكننا نبرز حقائق مجردة تعكس نبل أخلاق أهلنا في ولايتي نهر النيل والشمالية وابتعادهم عن الاستجداء بمشاكلهم ونقص خدماتهم وضعف إمكانياتهم وسوء أحوالهم المعيشية.. لا يحولون ذلك إلى قضية سياسية وحركات مسلحة ولا يسمون أنفسهم مهمشين.. وهم على ذلك الحال ساهموا ومازالوا يساهمون في بناء السودان والتمسك بأهداب الوحدة الوطنية حتى آخر رمق في ما تبقى من زمن لإجراء الاستفتاء ومازالت مدن وقرى الشمالية الكبرى تضم في حناياها أبناء جنوب بلادنا إذ هم يعيشون بين أهلهم هناك ويتمتعون بكل حقوق المواطنة.. وقد عكست الصور والاستطلاعات التي أجريت عقب اجتياح السيول لمناطق واسعة من ولايتي نهر النيل والشمالية حالة البؤس التي يعيشها المواطن هناك فالبيوت التي جرفتها السيول للمواطنين أو النازحين وهي في غالبيتها من الجالوص أو الطوب اللَّين صمدت لعشرات السنين أمام موجات الجفاف والزحف الصحراوي.. لكنها بالطبع لم تصمد أمام تيار السيول الجارف فأصبحت كما قال الرباطابي «بسكويتاً بليتو في الشاي».. وحتى من تحدّث أمام الكاميرات كان من أبناء الجنوب ودارفور النازحين والمقيمين لسنوات طويلة في تلك المناطق والتي أصبحوا جزءً منها.. وطالبوا بإغاثتهم بالمواد الضرورية.. لكن أهل المنطقة المتضررة لم يجأروا بالشكوى كالعهد بهم عزة وإباء وتسليماً بأقدار الله واعتماداً على أنفسهم وأبنائهم المنتشرين في كل أصقاع السودان وفي بلاد المهجر.. والي نهر النيل الفريق الهادي وحكومته ووالي الشمالية مولانا فتحي خليل وحكومته يصارعون المستحيل لكي يخففوا من آثار السيول هناك ولكن ماذا ستفعل أي حكومة أمام الكوارث الطبيعية؟ في السودان أو في باكستان أو في الصين أو في أمريكا.. فقوة الطبيعة أعتى من أي إمكانيات بشرية وهذه حقيقة.. ولكن الجهود الجادة في الإغاثة وتخفيف الآثار المترتبة على مثل هذه الكوارث هي وبكل تأكيد مسؤولية تضامنية تتعدى الحكومة الولائية إلى الحكومة الاتحادية إلى منظمات المجتمع المدني إلى الأسرة الدولية بمنظماتها ودولها والتي لا تذكرنا إلا في فرض العقوبات وفبركة الأدلة ونشر المعلومات الكاذبة.. ولو اجتاحت مثل هذه السيول دارفور لأمتلأت الفضائيات والمواقع الإلكترونية بالنداءات والإدانات لحكومة السودان التي لم تحرك ساكناً لإنقاذ المتضررين المهمشين هناك وأما وقد وقعت هذه الكوارث في الشمال المتهم بالتغول والتسلط واحتكار الحكم فلا ضير. جاء بعثة إعلامية تلفزيونية من أمريكا وأجرت استطلاعات ومقابلات ومنها مقابلة مع السيد رئيس الجمهورية.. وسافرت لحوش بانقا وصوّرت مسقط رأس الرئيس والذي لا يبعد لأكثر من مائة وعشرين كيلو متراً من الخرطوم وكيف ظلَّ الحال كما هو عليه منذ أربعينات القرن الماضي والمنازل وقد أحاطت بها الرمال المتحركة وقد دُهش الوفد الإعلامي من كل ذلك وأجرى مقارنة بين بعض قرى دارفور وقرى نهر النيل فوجد بعض القرى الدارفورية أفضل بكثير ومع ذلك يشكو أهلها التهميش ويشارك بعضهم في الحركات المسلحة التي تحارب الحكومة.. لكن حصاد هذه البعثة الإعلامية اشترته منظمة صهيونية أمريكية ومنعت نشره وبثه لأنه يُكذب ويفند الوقائع المفبركة التي يقوم عليها إعلام المنظمات الصهيونية باسم «إنقاذ دارفور». ü لا أرى أثراً للمآسي التي يعيشها هذه الأيام إنسان نهر النيل والشمالية في الإعلام أو الدوائر الرسمية.. فإن كان الناس هناك لا يتبرمون ولا يتظاهرون فاعلموا أن الجهود المبذولة حتى الآن «لا تساوي شروى نقير» أم أن الحكومة كما قال الناظر الحكيم المرحوم بابو نمر ناظر عموم المسيرية الراحل «الحكومة زي أم التيمان ترضع البيبكي». هذا هو المفروض..