لم يعد خافيًا أن البلاد خلال العقدين الماضيين، شهدت بروز حركات احتجاجية، ومطلبية، تطور بعضها إلى نزعات استقلالية، فيما كانت الأرضية المشتركة بين هذا وذاك قضايا التنمية والتهميش وظلم المركز وقبضته، حتى بدا الأمر وكأنها ثورة الأطراف المهمشة على المركز القابض... في دارفور كانت لغة السلاح هي السائدة لإسماع المركز صوت المحرومين من التنمية، وكذا في الشرق، وهؤلاء، استعاروا من الجنوب «لغته الحربية»... وفي الشمال بلغت الحركات الاحتجاجية، والمطلبية ذروتها، ولهؤلاء وأولئك، التفت المركز تحت وطأة التهديد، والصريخ واستجاب لمطالبهم في التنمية، حتى برزت قناعة لدى الكثيرين أن الإنقاذ لا تلتفت إلا لمن يحمل السلاح، أو يهدد بالاجتياح، غير أن لغة «التنبيه» في منطقة الدندر خالفت كل التوقعات، إذ تمرد النهر الوديع هناك، نيابة عن أهل المنطقة، وزمجر كما «أسد» هصور وحاكى غضبة الحليم، وفاض كما لم يفض من قبل، وثار ثورة تضاءلت بجانبها ثورات الربيع العربي، ولم يكتفِ بلفت نظر المركز القابض، ولكنه تعداه إلى جذب انتباه العالم كله، ليعلن على الملأ: أن «هنا» أقوام محرومون ومظلومون لكنهم لا يجأرون بالشكوى مهما بلغ الظلم منهم مبلغًا، وقد تناقلت ثورته القنوات الفضائية العربية والعالمية والمحطات الإسفيرية، والمواقع الإلكترونية، خاصة بعد إعلان والي سنار أحمد عباس أن الدندر منطقة «كوارث»، لتتبارى المنظمات التطوعية، والشركات والخيِّرون وتدافعوا لإغاثة المنكوبين، هذا فضلا عن اهتمام بالغ أولته الحكومة المركزية على أعلى مستويا تها بهذه الكارثة، كان آخر هذه الاهتمامات المركزية، ما أعلنه والي سنار أحمد عباس من استجابة عالية من «القصرالرئاسي»، وذلك أمام ملتقى أبناء ولاية سنار بالعاصمة القومية الذي انعقد مساء أمس الأول الأربعاء بقاعة الصداقة بالخرطوم، لاستنفار جهود الخيِّرين والمنظمات والشركات والمؤسسات لتقديم المساعدات للمتضررين، وإعادة بناء ما دمَّره الفيضان، و أكد عباس أثناء الملتقى أن المركز استجاب لكل النداءات والمطالب بصورة لم يسبق لها مثيل، مشيرًا في هذا الصدد إلى الاهتمام الشخصي الكبير من جانب النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه بما يجري في المنطقة المنكوبة ومتابعته اللصيقة لكل ما يحدث. «11» مليارًا من طه: وقال الوالي: إن الأستاذ علي عثمان قام في الحال بتسليمهم مبلغ «تسعة مليارات وتسعمائة جنيه»، لردم الطرق بصورة عاجلة لإنقاذ موسم الحصاد، ومبلغ مليارين أخرى للمدارس وقال إن النائب الأول دفع هذه المبالغ كاملة ولم يؤجل منها شيئًا، كما دفع ب «70» آلية تعمل الآن في إعادة فتح الطرق، مشيرًا إلى توجيه النائب الأول ببناء أربعة جسور بالمنطقة، مؤكدًا أن اثنين منها دخلت موازنة «2013»، ونقل الوالي للملتقى تعهدات وزير الزراعة الدكتور عبد الحليم المتعافي بتوفير البذور والتقاوي للمتضررين في القطاع البستاني الذي شهد دمارًا كليًا، وذلك لزراعة «24» ألف فدان تضررت بمحاصيل العروة الشتوية، وقال إن المتعافي وعده بتوفير بذور كافية لكل المساحات المتضررة.. وأكد والي سنار أن المواطنين المتضررين لا يزالون بالعراء، موضحًا أن عملية الإيواء التي تمت الآن بتوفير الخيام ليس إلا سكنًا مؤقتًا، وأن النداء الأكبر هو كيفية مساعدة «5028» أسرة في بناء منازلها التي ُدمِّرت بالكامل، مشيرًا إلى ضرورة إبعاد القرى المنكوبة عن النهر وإجراء عملية تخطيط محكمة، مؤكدًا التزام الولاية بإعادة بناء المناطق المنكوبة، مستعرضًا قوافل الاتحادات والمنظمات والهيئات، وديوان الزكاة المركزي والولائي التي وصلت المنطقة، مشيدًا باستجابة المركز الفورية ممثلاً في وزارة الداخلية والدفاع المدني، الدور الكبير للنائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر.. وفي السياق ذاته نقل الأستاذ مهدي إبراهيم مدير الملتقى للحاضرين تأييد النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه لفكرة الملتقى فيما يتصل باستنفار الجهود لدعم المنكوبين، وقال إن طه ظل ولا يزال يتلقى التقارير من وزير الداخلية والدفاع المدني عن فيضان النهر ويتابع الأوضاع هناك بشكل يومي، وأنه على التزام كامل بكل احتياجات المنطقة في المرحلة المقبلة. مازاد الطين بلة من جانبه أثنى الناظر أحمد المنصور العجب، نائب دائرة الدندر على كل الجهود التي بُذلت للأخذ بيد المتضررين ومساعدتهم، مشيدًا في هذا الخصوص باستجابة الحكومة المركزية، وتجاوب النائب الأول، وزيارة رئيس البرلمان وقرار الوالي بإعلان الدندر منطقة كوارث، وجهود معتمد المحلية، واستعرض المنصور جانبًا من المأساة، وقال إن الأهالي أنفقوا كل ما عندهم في الزراعة التي دمَّرها الفيضان، وإن مازاد الطين بلة أن منازلهم انهارت بالكامل، داعيًا إلى ضرورة تضافر الجهود من أجل إعمار ما دمرته ثورة النهر. وكان رئيس اللجنة الفنية الطارئة محمد أحمد الفضل، استعرض في مستهل الملتقى الآثار التي أحدثها الفيضان، وحجم الأضرار التي لحقت بالمنطقة جراءه. التبرع ب«4 » مليارات: وفي ختام الملتقى تبارت الشركات ورجال الأعمال، وقطاعات الطلاب والمغتربون في إعلان التبرع للمتضررين، ومساعدتهم في بناء منازلهم، وذلك بعد أن افتتح الوالي أحمد عباس التبرع بمليار جنيه، تلاه اتحاد المصارف بمليار ونصف المليار، ورجل الأعمال ابن الولاية يوسف أحمد يوسف التاي بمبلغ مليارآخر تعهد بجمعه من الشركات والخيرين، بعد أن أعلن دعمه الشخصي بمبلغ «100» مليون وباسم الغرف التجارية «100» مليون أخرى، فيما أعلن الدكتور أمبلي عبد الله العجب تبرعه ب«50» مليون جنيه وبلغت جملة التبرعات تقريبًا ما يقارب «4» مليارات جنيه سوداني، بعد إعلان مجلس تشريعي شرق سنار على لسان محمد علي الخضر بتبرع مرتب شهر.