نعى العالم الأفريقي على وجه الخصوص والمجتمع الدولي وفاة المفكر والزعيم الأفريقي «مليس زيناوي» رئيس وزراء جمهورية أثيوبيا الفيدرالية.. الرجل غني عن التعريف منذ أن تولى زمام الحكم في أثيوبيا استطاع بحنكة وقيادة مرنة أن يقود بلاده إلى مصاف الدول النامية بعد أن ذاقت كل ويلات الحروب والفقر خلال فترة حكم «الدرق» بقيادة منقستو هيلا ماريام والأباطرة من قبله.. القائد زيناوي لم يكن يدير دفة حكم بلاده بمفرده.. بل دأب على إشراك كل رجالات الدولة في إصدار القرارات السياسية والاقتصادية.. وكان أكثر حرصاً على مواجهة انتقادات البرلمان خاصة اللاذعة منها.. إجاباته كثيراً ما كانت تحمل العبر والدروس دون إسهاب ممل أو القليل من الحديث المخل.. ردوده أغلبها تختتم بتصفيق حار لآرائه وأفكاره الجريئة والمقنعة. «مليس زيناوي» الزعيم الأفريقي لعب دوراً محورياً طيلة سنوات حكمه ليس على نطاق بلده فقط.. بل تعدى دوره إلى محيط القارة الأفريقية خاصة في ترسيخ مباديء التضامن والتعاون الأفريقي في كافة المجالات.. والعلاقات السودانية الأثيوبية شهدت في عهده التميز والرسوخ وفق الإستراتيجية التي يؤمن بها البلدان.. وتعتبر وساطة الراحل المفكر «زيناوي» في حل قضية جنوب السودان من أكثر الوساطات كفاءة وحيادية.. وحرص على إطفاء كل الشرارات التي تتحول إلى حريق لا يعرف حدوداً معينة يمكن أن تكون نقطة لنهاية الدمار الاقتصادي والاجتماعي. كثيرون عبروا عن حزنهم لفقد القارة لرجل بقامة «مليس زيناوي» ولم يقتصر الحزن العميق على شعب وقيادة أثيوبيا الدولة.. الشعب السوداني والأريتري والصومالي والجيبوتي والكيني وأخيراً دولة الجنوب أكثر المتأثرين بفقد قائد استطاع أن يتعامل مع تطورات المنطقة السياسية والملتهبة منها بحنكة وتروٍ خاصة الأزمة السياسية في الصومال والخلاف الأثيوبي الأريتري.. وكل الخطوات التي اتخذها في هذا الشأن وجدت استحساناً ورضى من المجتمع الأفريقي والدولي على الرغم من حالة اللا سلم واللا حرب مع أريتريا. الآن بعد التسليم لمقادير السماء هناك سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين وإلى كل من خبر الراحل.. هل يمكن أن يقودوا أو على الأقل أن يحلوا مكانة المفكر إن لم يكونوا مثله تماماً.. الإجابة بنعم هناك عدد من القادة، لكن الأيام والإنجازات هي التي تحكم عليهم والأمل الوحيد هو المحافظة على إنجازات المفكر «زيناوي» السياسية الاقتصادية الاجتماعية.. والسياسية.. منها على سبيل المثال أقر مبدأ الحكم الفيدرالي مع إقرار فقرة في دستور البلاد من حق أي إقليم الاستقلال عن أثيوبيا.. عملياً توحدت أكثر بفضل الحكم الفيدرالي الذي حافظ على هوية وثقافة أي إقليم من الأقاليم التسعة لأثيوبيا.. اقتصادياً حول أثيوبيا إلى أرض جاذبة لمختلف الاستثمارات التنموية.. عالج بذلك تشغيل الآلاف من الشباب العاطل.. اجتماعياً عمل على الحفاظ على عادات وتقاليد أي مجتمع من القوميات التي تفوق ال80 قومية. الحديث عن إنجازات مليس على مستوى بلده أثيوبيا والقارة والمجتمع الدولي يطول.. الشاهد أن «زيناوي» من أكثر القادة الأثيوبيين الحريصين على استقرار وسلامة السودان بحكم التاريخ والجغرافيا التي تجمع شعبي البلدين الشقيقين. الكثير ينتظره السودان والقارة من الرجل الجديد في منصب رئيس الوزراء المكلف دسالن هيلي ماريام وهو الآخر غني عن التعريف لكنه في امتحان صعب هل سينجح في إكمال مشوار الطريق الطويل الذي سبقه فيه الراحل «مليس زيناوي».. الأيام المقبلة ستفصح أكثر عن مستقبل أثيوبيا الواعد.