رحل الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي تاركاً بصمة لا تخطئها العين، وجهوداً لن يسقطها التاريخ، لقد كان قائداً ذا كاريزما عالية استظل بها رفاقه وشعبه وإقليمه، فالرجل جاء إلى الحكم محمولاً على حصان اشتراكي، جاء يحلم بالوفرة والمجد لشعبه، كان يعلم أنه جاء إلى شعب هده البؤس وعصفت به المجاعات، وعجز عن استخراج موارد البيئة الطبيعية حوله. جاء ملس زيناوي يحلم بالتغيير والتعمير والتنمية والعدالة والاجتماعية، جاء وقد أمضه استرقاق الحكام الإثيوبيين لشعوبهم، فأراد أن يحرر الشعب من قبضة الحكام. كان قائداً ملهماً مفكراً كثير الصمت كثير التأمل قليل الكلام يعشق العلم والعلماء جاء وفي بلاده جامعة واحدة وغادر وفي بلده نيف وثلاثون جامعة، وقد زرت جامعة قوندر وبحردار فوجدتها ضخمة البناء متينة المنهج لا تعوزها المعاني ولا المباني. وقد زرت جامعة أديس أبابا فوجدته قد أضاف لها ما أضاف من تنمية في الأبنية والأوعية والتخصصات، وبالطبع كان الرجل يعرف الرجال، ويقدر لهم جهودهم ويختار الأنقياء. وجاء ليجد إثيوبيا بها ظلامات للمسلمين وإعلاء من شأن المسيحيين، فساوى بين أصحاب الديانات على الأقل رسمياً وخفف من غلواء الكنيسة، وأعطى الكثير من الإثيوبيين المسلمين حقائب وزارية، حيث مكن سفيان أحمد من وزارة المالية، وأعطى وزارة الدفاع لرجل مسلم. وقد اتسمت شخصية ملس زيناوي بالاعتدال، ولكن لم يكن وحده، فقد عاونه في ذلك فيلسوف الثورة سبحت نقت وآخرون من أمثال دسالن هايلي ماريام وزير الخارجية ونائبه وهو من الجنوب ولا يمت للتقراي ولا للأمهرة بصلة، ولأن فكر الثورة لم يكن يعترف أصلاً بالعرقيات ولا بالقبائل ولا بالدين ويقوم على حرية الأعراق، ولذلك شرع نظاماً فيدرالياً يعطي الكل الحق في الانفصال متى ما أراد، ويتيح الفرصة واسعة لمن يريد الاتصال، ووفقاً لهذه الفلسفة كان لاريتريا ما أرادت. لقد كان أعظم إنجازات الثورة بقيادة ملس في مجال إرساء سيادة القانون وفصل السلطات والمؤسسية، فلا يتدخل وزير في شؤون وزارة أخرى، ولا يعتصم أحد عن تطبيق القانون حرفياً، وعمق الإعلام الاثيوبي في وجدان الشعب الإثيوبي مبدأ سيادة القانون وضرورة النمو. وجاء ملس زيناوي إلى الحكم وكان شعبه هو الأفقر إفريقياً، وذهب وصار شعبه هو أكثر الشعوب الافريقية استعداداً نفسياً للتنمية، وأصبح اقتصاد بلاده هو أسرع الاقتصاديات الافريقية نمواً. التحية للشعب الإثيوبي وقادة الثورة الإثيوبية وللرئيس الجديد دسلن هايلي ماريام، وإلى الأمام تحت رعاية القيم الأخلاقية التنموية التي أرسى زيناوي أوتادها. والمجد والتوفيق للشعوب الإفريقية. عميد مركز البحوث والدراسات الإفريقية جامعة إفريقيا العالمية