في منتصف عام 2004م وأثناء تواجدي بمدينة أسمرا عاصمة أريتريا تصادف مع اللقاء المهم الذي جمع بين السيد عبد الواحد محمد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان، والسيد مني أركو الأمين العام إثر تصاعد الخلافات بينهما، وقد أسفرت جهود لجنة رأب الصدع بين الطرفين برئاسة الأستاذ التجاني بدر في لقائهما بفندق الانتركونتنتل الأنيق. جلست في أحد الصفوف الجانبية المخصصة للضيوف وامتلأت ساحة القاعة بالقيادات السياسية والعسكرية للحركات المسلحة والتجمع الديمقراطي، بينما جلس في المنصة الرئيسية رئيس الاجتماع الأستاذ التجاني بدر وجلس على يمينه الأستاذ عبد الواحد محمد نور رئيس الحركة وعلي يساره السيد مني أركو الأمين العام للحركة، وحين أعلن رئيس الجلسة بداية اللقاء فجأة نهض السيد عبد الواحد نور وبصوت جهور وكلمات قوية طلب من الحضور الوقوف دقيقة ترحماً على روح القائد البطل المؤسس عبد الله أبكر واصفاً الفقيد بالإخلاص لقضية دارفور ولمباديء الحركة. بعد أن تم التوقيع على وثيقة الصلح وفي ردهات الفندق برفقة زميل الدراسة الراحل الدكتور عبد الرحمن موسى أبكر قلت له إن البداية غير موفقة وإن هذا الصلح لن يصمد كثيراً وأرى في الأفق انشقاقات وتشرذم يضرب جسد الحركتين، أعني حركة التحرير وحركة العدل والمساواة. استدعيت هذه الواقعة وقد أثخنت جسدي الحركتان الأساسيتان الانشقاقات حتى ناهز عدد الحركات قبل بداية مفاوضات الدوحة أكثر من ثلاثين حركة، ومثلت أهمية تجميع الحركات بعد توقيع اتفاقية أبوجا هاجساً كبيراً للمجتمع الدولي والإقليمي والمجتمع المدني لدارفور والمسهلين حتى تتم البداية العملية لمنبر الدوحة، وتولت جماهيرية القذافي بعد اتفاق ثلاثي يجمع بين الدوحة والقاهرة وطرابلس، تولت طرابلس مهمة توحيد الحركات المسلحة والتي مرت بعدد من المحطات والعواصم حتى تمخضت عن حركة التحرير والعدالة. والحدث الأكبر في نهاية شهر رمضان الماضي كان إعلان القائد خميس ويجو القائد العام لحركة العدل والمساواة انشقاقه من الحركة قبل أن تستفيق الحركة من فقد زعيمها القوي دكتور خليل إبراهيم، وخطورة هذا الانشقاق أن علي رأسه القائد العام وهو ما يعني ببساطة انشقاق بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية، وبالتالي فإن تداعياته غياب القيادة السياسية المخططة للحركة، قد يدفع بصورة عاجلة إلى تصدعات في القيادة السياسية نفسها والتي افتقدت الكاريزما بغياب الدكتور خليل إبراهيم، كما أن تداعيات هذا الانشقاق الكبير يوقظ جرثومة التشظي في الحركات الأساسية والمستولدة كما حدث في أعقاب اتفاقية أبوجا لتعود القضية مرة أخرى إلى مربع تعدد الحركات بكل سلبياتها. وجدت حركة الانشقاق اهتماماً من الأطراف الأخرى خاصة تلك المعنية والمتأثرة تأثيراً مباشراً بتطورات الأوضاع الأمنية في دارفور وعلى رأس تلك الأطراف حركة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور التجاني سيسي وقد سارع أمينها العام ووزير الصحة الاتحادي الأستاذ بحر أبو قردة بالترحيب بالانشقاق واصفاً القائد العام بأنه قرر الانضمام لركب السلام في ظل وثيقة الدوحة والوثيقة نفسها تركت مجالاً في أجهزتها لاستيعاب القادمين، كما أشار في لقاء صحفي إلى أن اتصالات حركة التحرير والعدالة مع الرفقاء السابقين في حركة العدل والمساواة والحركات الأخرى مستمرة، معلناً أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من القادمين لركب السلام. وفي جانب حركة العدل والمساواة فقد أعلنت بعد صمت الذهول عن قرار الحركة فصل القائد العام وتنحيته عن مهام القائد العام مقللة من تأثير الانشقاق علي جسد الحركة. وفي جانب المجتمع المدني الدارفوري الذي تحلل عقب توقيع وثيقة الدوحة ولم يعد له دور يذكر من خلال مؤسساته ومنظماته في إكمال السلام بعد أن تسنمت حركة التحرير والعدالة السلطة السياسية والاجتماعية والتنفيذية في ولايات دارفور. تلك هي بعض ردود الفعل التي صاحبت حركة الانشقاق من الأطراف والتي فاجأها القائد خميس ديجو المنشق عن حركة العدل والمساواة بلطمة مزدوجة في تصريحاته الأخيرة وفيها نفى اعترافه بنتائج الدوحة أو السير في ركاب الوثيقة، واصفاً تصريحات قيادات حركة التحرير والعدالة المرحبة بأنها أحلام وتمنيات وأشواق ما يعني «إغلاق النافذة أمام تفاهمات مشتركة في المستقبل القريب والتشكيك» في جدوى الاتصالات التي أعلنتها حركة التحرير والعدالة مع القيادات الرافضة للدوحة والتي ما زالت تحمل السلاح. وكشف القائد المنشق في تصريحاته أن قيادة حركته المنشق عنها دفعت بالوسطاء وقدمت التنازلات لإثنائه عن السير في طريق الانشقاق، وقال إنه قدم لها مطالب عجزت الحركة من قبولها، مختتماً تصريحاته بأن حركته الجديدة المنشقة تدرك اتجاهها. تبقى أية حركة انشقاقات في الحركات الدارفورية المسلحة إضافة لاستمرار العنف والاقتتال في ذلك الإقليم وإطالة لعمر المأساة وتكريس لعذابات شعب دارفور الصابر. ولله الحمد