من الشائع أن هناك من يخاطب الناس على أنهم فئة واحدة، أو أن لديهم نفس قناعاته، أو يتعامل مع البشر بإعتبار أنهم فئة عمرية واحدة، ولهذا نحن بحاجة إلى من يجيب على كثير من الأسئلة الملحة التي تواجهنا، في طريقنا للبحث عن الوحدة والقناعة بها، والتي تتناسب وتفكيرنا لكي نتعامل بشكل صحيح مع المنطلقات الفكرية، والبحث عن أسباب القوة والضعف، التي تساعدنا على معرفة أكثر الأساليب تأثيراً على القلوب. إن فنون الحوار والإقناع وطرق التأثير التي يستخدمها علماء النفس اليوم، هي من أنجع الأساليب في الترويج للأفكار والتبشير بها، وقد أُجريت عدة تجارب في المعاهد المتخصصة تثبت أن مجرد الإيحاءات والكلمات يمكن أن تصنع نمط الشخصية وتشكل مسارها، والعجيب أن جميع الدراسات تؤكد أن هذا التأثير الخارجي في تصرفات الإنسان مستمر على الدوام، وهكذا فإن كلمة (الإنفصال مثلاً) قد تكون كافية لإحداث تأثير مباشر على تصرفات الشخص الذي نود التأثير عليه، و تجعله في هذا الوضع الذهني السلبي. والطريف في الأمر أننا دائمًا نسعى لإرضاء أناس آخرين على حسابنا، تجنباً للمواجهة معهم، حيث نقول دائماً (نعم) دون التفكير بما ألزمنا به أنفسنا من أعمال، أي أصبحنا نركن لسياسة الأمر الواقع، والتي هي أصلاً عادة سيئة في النمط السياسي القديم والحديث، ولكنها غالباً ما تكون تمت تحت تأثيرات خارجية وداخلية أكثر سلبية، حتى كدنا نحمِّل أنفسنا ما لا طاقة لنا به من الإلتزامات. الإجابات المنطقية هي أن تلك البيانات والحقائق والأسباب التي استندت إليها نتائج الانتخابات الماضية، أن المواطنين الذين قاموا بالإدلاء بأصواتهم مؤخراُ، جاءت لأن الحزب الفائز اختار العبارة اللينة الهينة، وانتهج أسلوب الابتعاد عن الشدة والإرهاب والضغوط وفرض الرأي، وإنما خاطب العقول والقلوب معاً، والذي هو في حقيقة الأمر فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت هذه الأدوات مع مناسبة الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيراً بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق، وهذا ما نرمي الوصول إليه، وهكذا كانت طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في تلمس حاجات الوجدان وأيضاً من عوامل نجاحهم في إقناع الناس برسالتهم، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).. ووصولاً إلى تحقيق الهدف من نشر ثقافة الإقناع وفنون الحوار، وفن الاستماع للآخر في محاولة لفهم دوافع موقفه، فهذا يعني بطبيعة الحال الدخول في حوار وطرح القضايا الشرعية بهدوء، فالشواهد العلمية أثبتت أن الحقائق التي تعرض بطريقة رقيقة ومعتدلة، أشدَّ أثراً في اقناع الآخرين مما يفعله التهديد، وإن رفع شعار بسيط للاستفتاء القادم كالمقولة (أعطني فرصتي لأصوت بحرية)، لهي أدعى الى تحقيق الربط المعنوي، بل ربما تمثل نصف الطريق نحو إقناع الآخرين بعملية الاستفتاء، والتي هي في جوهرها غاية منشودة، وتجعلنا نقف جميعاً على أرضية مشتركة. ما دفعني حقيقية الى أن أدلو بدلوي في شأن مهم كالاستفتاء هو حديث الرسول صلي الله عليه وسلم (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها)، لأن المطلوب منا الآن عدم اليأس أو التراجع والنكوص، طالما هناك مساحة وفسحة من الزمن حتى موعد الاستفتاء في يناير المقبل إن شاء الله، بل لابد من العمل الجاد باستخدام كافة الجهود والطاقات، والتي تمثل فيها وسائل الإعلام الدور الأكبر، حتى لو أضطررنا الى إصدار الصحف- (كمثال)- من عواصم ولايات الجنوب في الفترة القليلة القادمة، مع مصاحبتها بحملة دعائية وإعلانية تبشر بالوحدة تتبناها كافة مؤسسات الدولة. وفي رأيي أن الأمر لا يتأتي إلا بالدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالي، لأنه هو الذي يدبر الكون ويقدر المقادير، فلننتظم في برامج نهارية وليلية في الدعاء والإلحاح فيه توجهاً نحو الوحدة، لكننا بجانب ذلك نستصحب معنا ونتذكر دائماً قوله تعالى (وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) لأن الله هو الذي يعلم أين تكون مواضع الخير، ولكي نرضي الله تعالى ونسير سير المتوكلين نحو مسار الوحدة، كان يجب علينا أن نراجع منهجنا وفكرنا في التعامل مع مسائل هي في غاية الحساسية، ولكنها في جملتها هي من الأمور التي ينبغي أن نبتغي بها مرضاة الله تعالى، إرضاء له وليس لغيره، ألا وهي مسألة الحجاب والتي أضحينا نطلق عليها مجازاً (المظهر العام)، فلابد أن نطبق قواعد الحجاب على كافة من بلغ مبلغ النساء على أرض السودان (تيمناً والتزاماً بهذا الشهر الفضيل)، بسطاً للسلطة واتقاءاً للفتنة، ويدخل في ذلك حتى النساء الأجنبيات-(غير السودانيات)- وغير المسلمات من أهل السودان، وخاصة شابات ونساء الحركة الشعبية اللائي يجبن شوارع ومدن السودان الشمالي (وكأنهن يتبخترن في شوارع باريس أو ساوباولو دون حسيب أو رقيب)، هذا لأننا وببساطة شديدة لا نرضى بوحدة تأتي بسخط الله، فكما تحقق السلام بعد جهاد وقوة، نتمنى أن تتحقق الوحدة بصدق الدعوة والنوايا، وليس بذرف الدموع، أو الإرتماء عند أقدام الآخر.