الأديب الدكتور محمد إبراهيم الشوش يحكي عن والده شيخ مدينة عطبرة.. الشوش الكبير كان رجلاً صارم القسمات.. يفصل في المحكمة الشعبية في أعقد القضايا دون أن يحتاج لتقليب البصر في وجه الخصوم.. يوم أن ماتت زوجته اختفى الشيخ الشوش عن الأنظار.. بحثوا عنه في كل مكان وفي ظنهم أن الرجل هو من سيغسل جثمان زوجته.. في غرفة نائية كان العمدة يبكي بحرقة.. تلك المرة الأولى التي يكتشف محمد إبراهيم الشوش أن والده يكن كل هذه العاطفة للسيدة والدته. غيّب الموت البارحة الحاجة سكينة الشيخ خليفة.. لا أحد غير قليل منكم يدرك كنه هذه السيدة.. الحاجة سكينة هي أرملة الصحفي الراحل سيد أحمد خليفة ووالدة أبنائه عادل وأمير ويوسف.. بهدوء ودون ضجة ومن القاهرة انتقلت الحاجة سكينة إلى الرفيق الأعلى. حاجة سكينة تمثل رمزاً للسيدة التي تصبر على ابتلاءات العمل العام.. كتب على السيدة سكينة أن تدفع ثمن أنها زوجة صحفي مشاغب.. منذ بداية الطريق كتب على الراحل سيد أحمد خليفة مقارعة الخطوب.. السجن كان أحب الأماكن لأبو السيد.. ليس أمراً سهلاً لسيدة سودانية أن تفتقد زوجها في مثل تلك الظروف.. حاجة سكينة كانت تواجه مثل تلك المصائب بصبر وجلد. في أيام مايو ضاقت البلد على أبو السيد.. فانطلق سائحاً بين أرجاء الدنيا.. حيناً في السعودية وسنوات في جماهيرية العقيد وبعض من الزمن مراسلاً حربياً يواجه الموت في جبهات الصومال وأريتريا وأفغانستان.. كل هذا والحاجة سكينة في صبر عجيب.. تمضي معه إذا تيسر وتجلس في بيتها إن تعذر السفر في انتظار عودة الغائب. احتفظت الحاجة سكينة بدبلوماسية تخصها.. كانت تصل الرحم السياسي وإن كان على جفوة وخصومة مع زوجها المثير للجدل.. إفطار يوم الجمعة الذي تزين مائدته قراصة الشايقية كان مساحة للتصافي والتلاقي.. ارتبطت أم عادل بعلاقة احترام مع الشيخ إبراهيم السنوسي رغم تقلبات المناخ السياسي.. القطب الإعلامي والاتحادي الباقر أحمد عبدالله كان عندما يغضب من أبو السيد يقسم أن لولا حاجة سكينة لما دخل دار سيد أحمد خليفة مرة أخرى. تجربتها كزوجة شخصية عامة وصحفي مثير للمتاعب كانت تهديها لزوجات أصدقاء زوجها.. وصيتها أن زوجة الصحفي شريكة في رحلة النجاح وأن الصبر يعقبه الفرج. رحلة الحاجة سكينة يجب أن تسلط الضوء على دور الأمهات والزوجات في الحياة العامة.. عدد كبير نجحوا لأن من ورائهم ومن حولهم مثل الحاجة سكينة.. الحياة السياسية في الغرب اعترفت واحتفت بدور النساء وأخرجته بمهارة إلى مسرح الأحداث.. زوجات الساسة في تلك البلاد يتحملن مسؤولية الترويج لنجاحات أزواجهن ويظهرن بمظهر صانع الأحداث الحقيقي كما في حالة السيدة هيلاري كلنتون التي خلفت زوجها على مسرح الفعل السياسي ولم تكتفِ بلقب السيدة الأولى.