قابلت رئيس مخابرات نظام العقيد معمر القذافي عبد الله السنوسي، مرة واحدة في حياتي، وتحدثت إليه، وإن كنتُ قد رأيته عدّة مرات، خاصة وأن أكثر زيارات السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير إلى ليبيا كنتُ ضمن وفدها الصحفي المرافق، بحكم علاقتي بليبيا التي عملت فيها ردحاً من الزمان بلغ أربع سنوات امتدت من سبتمبر 1988م وحتى أكتوبر عام 1992م، وقد أمضيت منها قرابة العامين مستشاراً صحفياً لسفيرنا في طرابلس - آنذاك - الأستاذ عباس إبراهيم النور الذي حفلت أيام سفارته بإنجازات عظيمة تحققت رغم شراسة الحصار الذي ضربته الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب على بلادنا في فترة كان العداء فيها مستحكماً بين السودان ونظام حكمه الجديد، وبين العالم الغربي. ما تحقق كثير لكن لم يحن بعد الكشف عنه، خاصة وأن لسفيرنا في ليبيا أو (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى) كما كانت تسمى في عهد القذافي، علاقات مع عدد من أعمدة النظام الليبي بحكم خلفيته السياسية والفكرية (الناصرية) ومع عدد من قيادات المنظمات الفلسطينية الذين اكتشفت - بمحض الصدفة - أنه تدرب معهم داخل معسكرات التدريب الخاصة في ليبيا، ومن بينهم الراحل (أبو نضال) الذي جمعتني به علاقة قوية، ومع عدد من الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في التجارة ما بين الدول. قابلت رئيس مخابرات نظام العقيد القذافي، السيد عبد الله السنوسي، مرة واحدة في حياتي، رغم علاقاتي القوية مع عدد من ثوار الفاتح بدءاً من الراحل المقيم الأستاذ جمعة المهدي الفزاني الذي كان أول سفير لبلاده في السودان عقب نجاح انتفاضة عام 1985م الشعبية، وتدرج في العمل السياسي والدبلوماسي إلى أن أصبح الوزير المختص بشأن الوحدة ثم وزير الخارجية في مرحلة من المراحل، وتوطدت العلاقة أيضاً مع الأستاذ عمر الحامدي الذي كان أميناً عاماً لمؤتمر الشعب العربي العام، وقد عمل سفيراً لبلاده في الخرطوم قبل سقوط نظام القذافي، ويعتبر هو والراحل جمعة الفزاني من كبار المفكرين الذين لم تمكنهم ظروف الهيمنة والإقصاء من طرح أفكارهم بحرية كاملة، خاصة وأن العقيد معمر القذافي كان قد أخذ يلعب دور المفكر الأوحد والمنظر الأعظم في السنوات الأخيرة. وتعرفت بالعشرات من رموز المجتمع الليبي، لكنني لم ألتق قط بالسيد عبدالله السنوسي طوال فترة إقامتي في ليبيا، والمرة الوحيدة التي قابلته فيها كانت داخل (باب العزيزية) مقر إقامة العقيد القذافي، وكنت وقتها وزميلي الصحفي الكبير وصديق العمر الأستاذ أحمد البلال الطيب ضمن الوفد الصحفي المرافق للسيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير في زيارته إلى ليبيا التي أعقبت محاولة غزو أم درمان من جيش حركة العدل والمساواة التي كان نظام العقيد القذافي ضالعاً فيها بصورة واضحة. قبل المغادرة إلى طرابلس طلب إليّ الأستاذ عباس إبراهيم النور الذي كان يشغل منصب المستشار الإعلامي بالقصر الجمهوري أن أحمل معي خطاباً أسلمه لعبد الله السنوسي متعلق بأمر اعتقال عدد من المواطنين السودانيين هناك ومطالبته بالسعي لإطلاق سراحهم. عقب اجتماع الرئيس البشير بالعقيد الراحل داخل خيمته الشهيرة وقف عدد من أعضاء الوفدين في مساء طرابلس الشاتي أمام نيران موقدة يصطلون ويتدفأون، واقتربت من المجموعة وسمعت الرئيس البشير يتحدث بلهجة حادة وقوية مع عبد الله السنوسي، ويتهمه مباشرة بتدير الغزو وتجهيز القوات الغازية بسيارات الدفع الرباعي والأسلحة والذخائر والمال، وقال له إن هناك معلومات ووثائق تؤكد ذلك، وإن الأموال تم تحويلها من بنك (كذا) وإن السيارات تم شراؤها من شركة (كذا) وإن فواتير الشراء لدى السودان الآن. كان السنوسي يقف مطاطئ الرأس ولايبدو عليه انفعال ولا خوف، خاصة وأننا جميعاً نعلم أن العقيد القذافي نفسه هو من فكر ودبر وخطط للأمر، وأن السنوسي ليس أكثر من منفذ دقيق لتعليمات العقيد. احترت وقتها كيف أسلم عبد الله السنوسي رسالة الأستاذ عباس إبراهيم النور، ولكنني شاهدت بعد دقائق الفريق أول مهندس صلاح عبد الله (قوش) رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني - وقتها - ينادي «السنوسي» ويتجهان بعيداً عن مكان التجمع، وقد لحقت بهما وزميلي الأستاذ أحمد البلال الطيب، الذي التقط صورة (تذكارية) مع السنوسي بينما حييته وأبلغته تحيات الأستاذ عباس إبراهيم النور، وسلمته الرسالة.. السنوسي الآن في قبضة الثوار، ولا اعتقد أنه سيخرج حياً بعد المحاكمة، لأن جهات محلية وإقليمية ودولية ليس من مصلحتها بقاؤه حياً، فالرجل متورط في الكثير، وسيوّرط الكثيرين.. إن بقى حياً.