تشير كل الدلائل إلى أننا في السودان أكثر شعوب الدنيا استخداماً للموبايل، ومن الظواهر الجديدة أن معظمنا يملكون موبايلين، فكثيراً ما تسجل رقمين لشخص واحد، وتضطر أن تسجل نمرة «محمد الحاج واحد» «ومحمد الحاج أثنين».. وربما بعضنا يملك ثلاثة موبايلات. المهم أصبحنا ناس «موبايليين» جداً وكثيراً ما أكون ماشي في الشارع، ولأني لا أحب أن أحرج الناس، ويكون ورائي شخص يتحدث معي فالتفت إليه وأرد عليه لكنه يحرجني جداً. مرة كنت ماشي وواحد ماشي وراي وسمعته يقول لي: الساعة كم؟ وأنا لا أستطيع أن أقرأ الساعة إلا بالنضارة فأخرج النضارة وأشوف الساعة كم لكي أرد عليه فأحرج نفسي ويكون يتكلم في الموبايل. ومرة فتاة جميلة كانت تسير خلفي، وقالت لي تصور ما مشتهية حاجة إلا أتونس معاك.. فالتفت إليها بفرح قائلاً: وأنا ذاتي.. فأحرجتني بنظرتها فقد كانت تتحدث في الموبايل وغالباً مع «الجكس» بتاعا. ومرة كان يسير خلفي شاب وفجأة سمعته يقول لي: ياخي أنت زول كضاب وحرامي كمان.. فامسكت بخناقه، ولكني اضطررت للاعتذار له، فقد كان يتحدث في الموبايل. ومرات كثيرة يقتحمك الموبايل فيرن في وقت غير مناسب.. وهناك ناس يتصلون بك فيبادرونك بعد التحية والسلام بالسؤال: أنت وين؟ ومرات تكون في الحمام تقضي حاجاتك فيحضرون لك الموبايل لأنهم يتوقعون إنها مكالمة مهمة.. فيسألك المتحدث: أنت وين؟ زي ده يقولوا ليهو شنو؟ لابد أن تتعلم الكضب.. وتقول له: أنا في المواصلات.. أو أنا في الشارع. تصدقوا مرة كنت في الوضع ده.. في الحمام يعني.. ولسوء الحظ كنت أعاني من حالة إمساك وأتصلت بي واحدة من إذاعات «الاف ام» وقلت للجماعة ردوا إنتو أنا مابقدر أتفاهم مع أي زول؟ فتكلم الجماعة مع المذيعة فقالت: ضروري أكلمو لي حاجة مهمة.. وأدوني الجماعة الموبايل فدار الحوار التالي: السلام عليكم يا أستاذ انحنه إذاعة «أورانجو» ستة وسبعين ونص؟ عليكم السلام.. ممكن تتصلوا بي بعد شوية.. نحنا على الهواء يا أستاذ - طيب أهلاً بيكم.. - سامعين أصوات كده دي أصوات شنو.. - دي طيارة جات ماره.. -طيب الحلقة بتاعتنا عن الجمال.. ممكن تورينا ملامح الجمال الحولك.. - والله حولي حاجات جميلة جداً.. - ممكن توصف لينا.. - والله يعني.. أصلو في أبريق أخضر.. - أبريق أخضر في لوحة يعني.. - أي في الحقيقة لوحة جميلة.. طيب ممكن تورينا الرسام منو؟ - في الحقيقة.. في الحقيقة رسمتها أنا.. - ياسلام سيادتك رسام؟ - أيوه عندي محاولات كده.. ثم أغلق الموبايل كأن الخط قطع فجأة.. ثم أغلقته تماماً.. حتى انتهي من الموضوع بتاعي.. وبمجرد أن أفتح الموبايل يتصل بي أصدقائي أستمعوا إلى البرنامج ويقولون - بقيت رسام - وانحنه ما عارفين أو لوحة الأبريق دي رسمتها متين أو وكت أتعلمت الرسم مالقيت غير الأبريق.. وأخيراً أصرخ: قطيعة تقطع الموبايل.. والأخترعوا كمان!