خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاشم : أنا مثير للجدل منذ أن ولدت ..الشعر ..الثورة ... وبعض سيرة حياة..جلسة مؤانسة فريدة بين هاشم صديق .. وكمال الجزولي
نشر في الراكوبة يوم 26 - 08 - 2010

شهد مركز الخاتم عدلان للاستنارة الاثنين الماضي جلسة مؤانسة مختلفة ضيوفا وحضورا ..حيث اعتلي المنبر الشاعر والكاتب كمال الجزولي ليتونس بلغة ومفردات أليفة مع الشاعر هاشم صديق .. وآثرنا أن نترك لغة الرصد التي وثقت بها مركز الخاتم عدلان الأمسية كما هي .. وعبر هذه المساحة نعيد الاستماع إلي هاشم صديق .. حياته وشعره .. وما بينهما من محطات دفع بابها الجزولي ليترك لهاشم أن يحكي ..
الجزولي : هاشم واحد من الرموز البارزة في حركة الشعر السوداني الثوري
هاشم : أنا مثير للجدل منذ أن ولدت
كمال الجزولي :-
دي هي المرة التانية أتعاون فيها مع مركز الخاتم في جلسة مؤانسة شعرية ، المرة الأولي كانت لو تذكروا
مع أخونا الله يطراه بالخير محمد المكي إبراهيم , وبالنسبة لاتحاد الكتاب السودانيين كانت في مرة مع حسن موسي , طبعاً ده في السنوات الأخيرة , قبل كده في سنوات "الديمقراطية التالتة" علي أيام الميلاد الأول لاتحاد الكتاب , كنا بنعمل هذه الأماسي في رمضان
بشكل آخر , وتشرفنا في الاتحاد بتقديم جلسات مؤانسة مع عبد الله الطيب , والطيب محمد الطيب والفكي عبد الرحمن ويوسف بدري , فكرة المؤانسة قائمة علي انو بنطرح مع المستضاف أو الشخصية المرموقة البنقدمها في المجال الإبداعي أو الفكري , شوية أسئلة يعني محور محورين , بالكتير تلاتة , حاجات بسيطة بنقيف معه حولها , هي بين الأنس الخفيف الممكن يكون عام للجمهور ويتفاعل معاهو , وفي نفس الوقت ما يفقد رصانة الفكرة العايزين نوصلها من خلال المؤانسة المفيدة , هاشم صديق واحد من الرموز البارزة في حركة الشعر السوداني الثوري منذ خليل فرح , في جلسة المؤانسة ح نحاول نستجلي معهو جوانب شخصية إبداعية في تكوينه الشخصي , مع التركيز علي نماذجه المكتوبة بعامية أم درمان , وإحنا عندنا مستويات للعربي في السودان , الناس البيتكلموا عن نيفاشا والوحدة والانفصال , ما بينتبهوا لي دي , إنو في عربي أم درمان , وفي عربي مروي , وفي عربي جوبا , وقد يكون في عربي الفاشر , ده غير عربي البجا , عربي الكذا , يعني , المهم هاشم عندو نماذج عالية جداً في عربي أم درمان , هذا العربي الأكثر تأثيراً علي ألسنة ووجدان المستعربين المسلمين في الوسط والي الشمال النيلي .
هاشم إزيّك .
هاشم صديق :-
مرحب , حبابك أخي كمال , وللحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , ورمضان كريم تصوموا وتفطروا علي خير , أنا في غاية السعادة أن ألج إلى هذه الباحة في المركز الذي يحمل أسم الراحل المقيم الخاتم عدلان , وسعادتي أكثر بأنني الآن في هذه الأمسية الرمضانية أحاول مع أخي وصديقي كمال الجزولي أن أقدم لكم أمسية أرجو أن تكون مفيدة وممتعة .
كمال الجزولي :-
معظم الناس ديل ما عارفين انو أسمك الأصلي عبد الرحيم , وقد يكونوا عايزين يعرفوا إيه عبد الرحيم وإيه هاشم ؟ ده واحد , نمرة اتنين شعرك فيهو أثر قوي جداً جداً للوالد وللوالدة حاجة آمنة الله يرحمها , والتأثير ده يبرز من أثر بتاع تأثير بيئة , بيئة نشأت فيها , بيئة كان فيها طفولتك .
هاشم صديق :-
الحقيقة قبل فترة كنت مستضاف في برنامج تلفزيوني على النيل الأزرق بعد غيبة طويلة , وواحدة من الأسئلة في البرنامج كانت أن انو أنت زول مثير للجدل , والإجابة كانت انو الاتهام ده كنتا بعتبره نوع من الإهانة والشتائم وكده , انك مثير للجدل , وقلتا انو بقيت
أتقبلها بروح طيبة جداً , ويسعدني كتير إني أكون مثير للجدل لأسباب ذكرتها في حينها , لكن شالتني الهاشمية وقلت لمقدمة البرنامج إني مثير للجدال منذ أن ولدت , وهي افتكرت إنو دي طنقة والتفتت عاينت لي كده بدهشة وقالت من متين ؟ , قلتا ليها من ما ولدوني
بعد يومين تلاتة أنا بقيت زول مثير للجدل , وقلتا ليها إنو الأبناء في الأسرة كانوا بيموتوا , عندي أختي الكبرى بدور وبعدها إنصاف , وكانت الأمنية انو يجيبوا ولد يقوم يرحل سريع جداً , وجيت أنا وكويس إني ما مت لحدي هسع , ولأنهم خايفين إني أموت قاموا
لبسوني حجل , وبعدين مباهاة وحب وكده , وعندي حبوبتين واحدة ختمية متطرفة جداً أسمها آمنة أم صديق وعندها إيمان بسيدي الحسن والضرائح وكسلا والسيد علي , وقامت أصرت وقالت أنا سميتو هاشم على اسم سيدي هاشم , وعندي الحبوبة التانية عندها نزعة
صوفية وأتذكر لحدي هسع انو ملامحها دقيقة وعروقها نافرة والمسبحة دايماً موجودة في ساعدها الأيمن , وقالت أنا أسميه عبد الرحيم على أسم عبد الرحيم البرعي , واختلفوا في المسألة دي , فقام أبوي الله يرحمه وهو بينتمي لبيت المراغنة من ناحية اعتقاد وناحية قرابة
' لأنو في واحدة أسمها أمنا آمنة في كسلا كان عندها قرابة مع الوالد وكنا بنمشي ننزل في بيتها في الختمية , أبوي اختار اسم هاشم ومشى نشره في واحدة من الجرايد السودان الجديد أو الصراحة , والكلام ده بعد الحرب العالمية بكم سنة كده وأبوي كان مشهور
بتشرشل القائد الانجليزي الشهير , فقام كتب رزق صديق الملك بابن اسمه هاشم بين قوسين تشرشل , فسهع لو كنتا تشرشل كانوا أضافوا لي تهمة تانية غير الاتجاهات السياسية المعروفة وكان ممكن تكون إني عميل بريطاني منذ الطفولة .
سؤال كمال ممكن يكون مدخل للتشكيل الإبداعي , أبوي خريج خلوة ويمكن يكون درس الأولية , وممكن الناس تستغرب إنو هو رغم كده كان زول بحب الشعر , وأتذكر انو كان عندو فونغراف جميل عالي وعندو رفوف فيها اسطوانات وكان واحد من أعز أصدقائه ديمتري البازار , وكان بيجي في البيت إبراهيم عبد الجليل , وكان في حديقة جميلة منسقة فيها زهور وأشجار الجوافة والليمون وبرتقال , رغم انو
البيت بيت جالوص عادي , والديوان كان جميل فيهو كراسي بيضاء مرصوصة وجنب الفنوغراف كان في سرير ابيض , وبره في كراسي بتاعت خيزران ملونة , وأتذكر انو كان في أنس وغناء وأمسيات بيحضروها أصحابو , وأتذكر كان عندو أدراج زي الأثاث بتاع الانجليز بيختو فيهو القمصان والكرافتات , لكن ده ما كان فيهو قمصان وكرافتات , كان فيهو هكر وعدة , وكان في كتب لمسلسل بتاع قصص بوليسية أو جاسوسية وبعد ما بدأت أتعلم القراية , بديت أهبش في الكتب دي , ده واحد من الروافد الممكن تكون ساهمت .
ل قدام لما إحنا مشينا كلية الموسيقي والدراما وبدينا نتمنطق ونتفلسف ونعتبر نفسنا من زمرة المثقفين , زي أنا فهمتا من مادة علم النفس الإبداعي انو المبدع يولد وعندو الاستعداد للإبداع , لكن البحدد إنك تكون شاعر أو رسام أو موسيقار أو قاص , هو الجو الحولك
وبالنسبة للشاعر قالوا انو يكون في شاعر في المحيط بتاعو , يقوم يقلده وبعدين يتمرد عليه ويكون عندو صوتو الخاص , أنا ما كان في شاعر في المحيط الحولي , لكن اذكر واقعة التمرد الأولى وكان في مجازر رهيبة جداً في الجنوب وواحدة من أشهر المجازر هي مجزرة
توريت افتكر سنة 55 لو لم تخوني الذاكرة , واتذكر انو في شاعر اسمه الياس محمد خير كتب قصيدة تحت اسم توريت ونشرت في الأيام , الوقت داك أنا في تالتة أولية تقريباً , وإحنا اهتمامنا بالأحداث في الجنوب لأنو عندنا ناس ماتوا في المجازر دي , عندي خال وعندي ود خال كان محاصر في منطقة من مناطق الجنوب , وأنا طفل بسمع القصص المهولة دي , والزول لما يكون طفل الدواخل والعقل الباطن بيكون زي الورق الأبيض والأحداث بتبقي زي النقوش الثابتة , والقصيدة مع القصص الخرافية والبكا على خالنا صالح المات
هناك , انا قمتا حفظتا القصيدة بتاعت توريت عن والدي , والقصيدة معروفة هي حقت شاعر , لكن أبوي وما عارف الخلاه يعمل كده شنو , كان لم يقعد معه أصحابه يقول لي هاشم تعال أقرا ليهم القصيدة , بعد شوية بقي يقول لي تعال أقرأ ليهم قصيدتك , وأنا صدقتا إنو دي قصيدتي وكان عندي إلقاء بالأداء الدرامي بتاع يوسف وهبي والجماعة يقولوا لي أبشر , أبشر .
بعد داك في الأولية , في حصة بتاعت إنشاء والأستاذ كان زول عندو مهابة ولو زعل منك بيكون في جلد بتاع نهاية الحصص داك , كان شايل الكراسات بتاعت الإنشاء في الحصة وقام قال عبد الرحيم صديق , أنا وقفتا , قال لي إنت كتبتا جملة هنا (نكافح مع المزارعين) , المزارعين ديل منو ال انتا داير تكافح معاهم , قلتا ليهو والله يا أستاذ ما عارف أنا دي حاجة جات كده وكتبتها والموضوع كان عن الريف والمزارعين وأنا قلتا نكافح معاهم , قال وإنتا علاقتك شنو بالحاجات الزي دي ؟ , طوالي قلتا ليهو يا أستاذ انا شاعر , قال لي وعندك قصيدة ؟ , قلتا ليهو ايوه , قصيدة توريت , والزمن داك لو في ملكية فكرية إلياس محمد خير ما كان خلى جنبه ارقد عليها . بعدها طوالي بديت اكتب قصائد أحاكي فيها الشكل بتاع الكتابة ده , وبديت اكتب شعر عامي ساذج جداً , أول قصيدة كتبتها وعايز أفرح بيها أبوي , وأبوي رغم انو ختمي لكن كان اتحادي ديمقراطي , بعد القصيدة دي بديت اكتب لغاية ما مشيت المرحلة الوسطي وهي مرحلة مهمة جداً وكان فيها أساتذة أجلاء , وافتكر إني كنتا محظوظ انو واحد من أساتذتي المهمين جداً الأستاذ مبارك حسن الخليفة وكان مشرف على الجمعية الأدبية مد الله في عمره , وهو واحد من رواد حركة التجديد في الشعر السوداني أو الشعر الحر , وهو صاحب قصيدة المتاريس , كان أستاذ بحق وحقيق , كنتا بعرض عليهو محاولاتي المتواضعة دي وكان يوجهني , وكان عندي أستاذ تاني وهو من رواد القصة والرواية , وبعد داك بقى من رواد كتابة المسلسل التلفزيوني وهو أبو بكر خالد , وبرضو كنتا بعرض عليهو كتاباتي في القصة , وفي واحد من أساتذة اللغة العربية كان بساعدنا كتير اسمه علي عبد الله يعقوب وهو من قادة الحركة الإسلامية .وده كله يمكن يكون الأساس للإبداع .
أتراح الحول الأول
كمال الجزولي :-
قبل ما نشوف أثر البيئة أنا عايز أقول انك وثقتا للعلاقة التفاعلية بينك وبين الأسرة والوالد والوالدة في قصيدة أتراح الحول الأول , لو ممكن نسمعها.
هاشم صديق :-
أنا عايز اعمل مقدمة عشان القصيدة تتفهم في الظروف الأنتجتها , ولو سمحت لي أواصل في سؤالك واتكلم عن علاقتي بالوالدة .
كمال الجزولي :-
عارف إنتا عايز تتكلم عن الإسقاطات بتاعت اللا وعي من الطفولة والماضي السحيق وعايز ده نلقي ليهو براح وما نبعد كتير , فانتا اقرأ
لينا قصيدة اتراح الحول الأول , وبعد داك نتكلم عن الغربة وكذا وكذا , فلو قريت لينا القصيدة دي بنكون بنوثق للفترة دي .
هاشم صديق :-
طيب , بس لابد من مقدمة قصيرة , القصيدة دي هي زي نعي , او قصيدة عن موت الوالدة العزيزة , وهي ساهمت كتير في تشكيل
الوجدان الإبداعي لهاشم صديق بعد وفاة الوالد وكان عندها أثر كبير جداً , واذكر أنها كانت مشت مدني , وكانت مرضت مرضا شديدا جداً , حصل ليها نزيف شديد بعد ما أجهضت وكانت عرضة للموت , مشت مدني ومعها أختي الكبيرة بدور , بعد داك بدور جات
راجعة والوالدة كانت هناك , أتذكر يوم كنتا بصحح في مقالات مادة دراسة وتحليل وأنا الوقت داك أستاذ في معهد الموسيقى والمسرح وكان شتاء قارص جداً والأيام ديك أول أيام الإنقاذ وكان في قانون الطوارئ , وقبل الطوارئ بساعة أو كده كان في طرق عنيف على
الباب وصوت كواريك , وعرفتا انو الحاجة إتوفت , هي مرقت كويسة جداً وادتني مفتاح الدولاب بتاعها ووصتني على حاجات كده , وجات راجعة مكفنة , جات مجهزينها في برش , والبرش زي مربوط , وبدل ما يودوها الديوان الأمامي , جابوها في الغرفة بتاعتي ,
وما كان في طريقة نبدأ المراسم لأنو كان زمن الطوارئ , والقصيدة دي سنة كاملة كل ما اكتب فيها أجهش بالبكاء , وما قدرتا اكتبها إلا بعد سنة كاملة عشان كده أسمها أتراح الحول الأول , وبعد ما كتبتها على الورق زي أنا واريت الجثمان , أو صدقت أن هذه العزيزة
رحلت عن الفانية
من برد الليل
متغطي بتوبك
اتنفس وهجك
والقلب اتدفأ
اتذكر سفرك .. ونفس الكون الجانا مكفن ونام في محفة
اتذكر شهقة باب البيت وجناح الصاعقة الحوم ورفا
اتذكر يمة صراخ الليل , والدمعة السيل , والبرش الفيك ارتاح واتلفا
من سفرك مر الحول الأول والزمن الأسود دوّر ولفا
لا جرحك نام .. لا صوتك صام .. لا وجعك خفا
يا محفورة في قلب الخاطر , يا مرسومة في بطن الكفة
الزمن اتساقط ورقه الأخضر
أصبح أصفر , العالم جفا .
كمال الجزولي :-
الزول بحس انك يا هاشم حكاية الغربة دي اتكررت كتير جداً في شعرك حتى قبل ما تجرب الغربة تجربة فعلية , الفترة الكنتا أنا فيها في غربة فعلية في أواخر الستينات وبداية السبيعنات كانت بتجيني أشرطة من السودان بتاعت الريل القديمة ديك ولقيت فيها أغنية لصلاح ابن البادية اسمها يا جنا وعرفتا انو دي بتاعت هاشم وفيها غربة , أنا قلتا هاشم صديق أنا خليته في بانت وما سمعنا بيهو إنو سافر , يبدو انو في غربة روحية وغربة فيزيائية , والغربة الروحية هي الكانت أكثر كثافة وعشان كده هي واردة في كثير جدا من قصايدك , في كتير من النقاد ومن دارسي الظاهرة الإبداعية بيتكلموا عن الوحي والإلهام , انت البيحصل ليك شنو ؟ .
هاشم صديق :-
شوف , المبدع ما بيقوم بعنقل الأشياء بصورة نقدية , وفي مبدعين عندهم أدوات النقد , وأنا افتكر إني كنتا محظوظ في إني درست النقد ودرسته , ومحظوظ إني زول بتاع دراما , وكما تعلم فان الدراما فيها الكثير جداً من التأمل والمذاكرة والتفاصيل والخصائص بتاعت
النفس البشرية , ودراسة المسرح نفسها ممكن تضيف ليك كثير جداً كشاعر . أنا في كتير من الأحيان لما اقعد أتأمل واقع الشعر بحس إننا بنبالغ لو قلنا إنو أي قصيدة عندها قواعد ومعطيات الإلهام وممكن نطبق
فيها المعايير بتاعت الأسس النفسية للإبداع الفني , انك تعيش تجربة ما تقبع في العقل الباطن يمر عليها زمن تنساها , تجي تجربة تشبها من قريب أو بعيد , والتجربة الجديدة تصحي التجربة القديمة ويحصل التلاقح بين التجربتين ويحصل الانفعال للشاعر , والفرق بين الشاعر والإنسان العادي انو الشاعر عندو القدرة على السيطرة على هذا الانفعال ويضعه على الورق في شكل قصيدة . أنا بلاحظ إنو كتير من الشعر الشهير قعد الناس وكتبوه , يعني قعدوا وقالوا إحنا دايرين نكتب شعر , وبقعد معاهم المغني وهو بكون غالباً الملحن وصنعوا هذا الغناء الجميل , فهل من شرط الإبداع المتميز انو يكون عندك الشفافية بتاعت استدعاء التجربة القديمة مع
التجربة الجديدة ويجيك الانفعال اللذيذ بتاع انك تكتب قصيدة , ولا تقعد وتقصد انك تكتب شعر , يخيل لي انو الشاعر لما يكون مالك لأدواته ممكن يقعد ويؤلف , أنا بصراحة ما جربتا حكاية إني اقعد عشان اصنع شعر وقررتا إني اكتب قصيدة هذا لم يحدث , إلا مرة
واحدة لما أنا كتبتا الملاحم , وهي برضو ما كانت بالتقرير ده , أنا عشت كل أحداث أكتوبر وأنا صبي يافع جداً , وعشان أصدقكم القول وما أقول ليكم انا الوقت داك مناضل وعندي وعي بالثورة وبالهتاف داك , أنا كنتا ماشي مع الطوفان داك كصبي وبتفرج كنوع من
الاندماج في حدث كبير جداً , وكنتا محظوظ إني ذاكرتا الأحداث ديك بوعي باطن ابيض اتكتبت فيهو الأحداث من شارع الأربعين.
لحدي ساحة القصر وموت عز الدين وقبليها القرشي وغيره , الأحداث دي كلها قبعت في العقل الباطن , كان عمري الوقت داك 17 سنة تقريباً أو 16 وحاجة , وبعد عدد من السنوات كانت الفكرة إنو دايرين نقدم عمل عن ثورة أكتوبر وهو عمل ح تنتجه إدارة الفنون المسرحية بالمسرح القومي , وكان عندي بمناسبة إرهاصات ثورة أكتوبر نوع من أنواع التوتر عشان اكتب حاجة عندها علاقة بالأحداث لكن ما بقدر اجزم إني كنت عايز اكتب القصة بتاعت الثورة لغاية ما جاء المشروع , وأنا ومكي سنادة كنا أصحاب شديد في الإذاعة والمسرح والتلفزيون، وعندنا مشاريع مشتركة امتدت لغاية نبتة حبيبتي وغيرها من الأعمال , بعد داك جيت كتبتا الملحمة , والملحمة ما بفتكر إنو فيها مجازات أو صور شعرية , هي قصة وفيها كثير جداً من الجماليات , استدعيت أنا هاشم صديق ملاكاتي في التأليف المسرحي وكتبتا قصة ثورة , يعني كان ممكن تكون مسرحية أو فيلم أو أي شيء تاني , ولدهشتي هي عاشت بالهتافية والتقاريرية بتاعتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.