إلتقيت بأحد المواطنين السودانيين الذين أفنوا زهرة شبابهم بالغربة، وهو رجل وقور تبدو عليه علامات التدين ينيف عمره عن الخامسة والسبعين عاماً، ولكن مازال يحتفظ بحيوية الشباب، وفي معرض حديثي معه علمت أنه من أهلنا الدناقلة الذين جاءوا منذ وقت مبكر للمملكة العربية السعودية وكان حصاده غربته أنه(علم)كل أولاده ومنهم من يعمل معه الآن بالمملكة، ولكن أبت نفس الرجل ألا يعود للوطن معاشياً وقال لي إن الكثيرين مثلي استسلموا للواقع، وأصبحوا عالة على أسرهم، لا ينتجون وأنا ما زلت أعمل عمل الشباب سائقاً لهذه العربة الخاصة كسيارة أجرة، وأن الكثيرين من السودانيين يعملون بهذه المهنة الحرة التي تسمى في المملكة(كداد)يكد بها ليلاً ونهارًا ومن ثم دار نقاش بيني وهذا الشيخ الوقور عن السودان، وإلى متى سيظل الناس مهاجرة عن وطن من أغنى بلاد الدنيا، وأن السودان أقرب الدول جغرافياً إلى المملكة السعودية بينما نجد أسواق المملكة خاليةً تماماً من المنتجات السودانية الزراعية وغيرها لأن الصناعية تأتي للمملكة من دول صناعية كبرى ، فمثلاً سوق المنتجات الزراعية السعودي العامر نجد به عدد خمسة وثلاثين منتجاً من لبنان وسوريا وفلسطين (المحتلة)ومصر ومن العراق والأردن واليمن وكثير من الدول العربية، بينما لا نجد منتجاً سودانياً واحد فلماذا؟، كان رد هذا الشيخ هادئاً وبنفس طويل قائلاً بزفرةٍ و حسرةٍ. ياإبني العزيز هل تصدق وأنا أحلف لك بالله ثلاثاً أنني شخصياً وقبل شهور قلائل أحضرت معي من دنقلا عدد عشرة جوالات من الشمار الأخضر، من مزرعتنا الخاصة وشحنته للمملكة بعد أن أكملت كل أوراق تصديره وكانت بالنسبة لي مسألة شاقة جدًا ولكنني قررت أن أشحن هذا الشمار والحمد لله وصل إلى المملكة العربية السعودية وذهبت به لسوق الخضار وتكالب عليه التجار السعوديين لشرائه بسعر بلغ نحو ثلاثة عشر ألف ريال سعودي وكان مبلغاً خرافياً بالنسبة لي لم أصدق ساعتئذٍ ولكن كانت المفاجأة بالنسبة لي حينما خاطبني التاجر بأنه سوف يعبيء هذا الشمار في أكياس في عبوات صغيرة، ويكتب عليه ديباجة صغيرة منتج محلي! لماذا الإجابة نريدها من السيد/وزير التجارة وكانت دهشة عمناالسوداني حينما جاء يستفسر عن الأمر في اليوم الثاني وقال له التاجر أن كل الكمية قد نفدت تماماً وأشار الناس بجودة هذا الشمار ، هنالك أسئلة نطرحها على المسئولين عن التجارة والإستيراد لماذا لا نحتكر سوق الصادر بالنسبة للمملكة العربية السعودية القريبة منا خاصة في الفواكه الحصرية التي نمتاز بها كالمنقة والموز والجوافة والليمون (ليمون بارا) ومنقة شندي وطماطم الله كريم التي لا يوجد مثلها في العالم! وأشياء أخرى يمكن أن نهيمن بها على السوق السعودي لو ربنا جعل الخير في ولاتنا مثلاً يمكن تصدير مياه النيل بعبوات تجارية للمملكة، ويمكن أن نصدر الأجبان البيضاء والصفراء للمملكة، وغيرها من دول العالم «بشوية» إهتمام في التعبئة والجودة، ويمكن كذلك أن نصدر لحوم الطيور النادرة، والأرانب البرية، التي لاتوجد إلا في السودان، ويمكن أن نصدر لحوم الغزلان، فالسوق السعودي يقبل كل جيد ، ونحن الآن لا نصدر إلا الخراف السواكني، والتي لا تصل لكل بقاع المملكة لإحتكار تجارتها. على الإخوة في التجارة تسهيل إجراءات التصدير حتى ندخل سوق المنافسة وأن الكركدي السوداني تتم تعبئته في مصر! ومن ثم يتم توزيعه بالمملكة العربية السعودية على أنه منتج مصري، يمكن كذلك أن نصدر الأسماك البلطي لو تمت تصنيعها بمواصفات دولية، ولكن يبدو أن العيب فينا وليس في منتجاتنا نحن أمه يصفنا العرب بأننا كسالى، ولكن الكسل في القيود المعوقة للآخرين لولوج عالم التصدير، وقد أجد نفسي أخفقت في ذكر أشياء كثيرة فاتت على بالي، ولكن يمكن أن نحتل الصادر حتى ولو صدرنا الفجل الأبيض والدَّكوة والشطة السودانية الحارة يمكن أن نتميز بها على الآخرين، ولكن دعونا نحلم بأننا أمة يمكن أن تكون سلة غذاء الآخرين، فلابد للمسؤولين من عمل ورشة عن معوقات الصادر السوداني حتى لو من باب تشجيع صغار المصدرين والإبتعاد عن سياسة الإحتكار ومعالجة رفض المنتج السوداني إعلامياً وسياسياً على أوسع نطاق ليرى العالم أن السودان يتمتع بخيرات وفيرة من المنتجات الزراعية المحكوم عليها بالمؤبد في مكانها. والله الموفق