أقرأ بإنتظام ما يخطه قلم الأستاذ فكري أبو القاسم - الذي لا أعرف عنه شيئاً وهذا لا يحط من قدره شيئاً بمعنى لا أعرف له وظيفة أو منصباً أو لقباً علمياً. بعض كتاباته كانت تعجبني وبعضها لا يعجبني فلا أتضايق ولا أفكر في الكتابة عما يرد في عموده (أوراق على الطريق) ولكن ذهلت بما جاء في عموده بآخر لحظة عدد الإثنين 27/8/ 2012ليس لأنه مس شخصاً عزيزاً وهرماً سامقاً من أهرام السودان عن جهل مريع منه . فالفقر إذا كان حقيقة فليس بعيب ، ولكن ماذكره الكاتب يتنافى تماماً مع الواقع وهو يدل على جهل الكاتب التام بالشاعر الهادي آدم وسيرته. فالهادي آدم نشأ في قرية الهلالية وهي لعلم كاتبنا ترقد في الأحضان الشرقية لنيلنا الأزرق أي لايمر بها القطار إطلاقاً ولاحتى تسمع صافرته ناهيك عن الأطفال الذين يجرون وراءه يبتغون بعض رغيف ، قال الكاتب : ( ومن عجيب الأقدار أن يخرج لنا طفل من بين هؤلاء هو شاعر صدحت له سيدة الغناء العربي : المطربة الشهيرة أم كلثوم وهو الأستاذ الشاعر الهادي آدم كان من بين هؤلاء الأطفال الجياع الذين كانوا ينتظرون القطار عندما يمر بالقرى السودانية ) إنتهى .أنا أجزم بأن الكاتب لا يعرف شيئاً عن الشاعر الهادي آدم وسيرته التي هي موجودة في دواوينه أو لايعرف غير أغدًا ألقاك وهذه القصيدة والتي ربما تلقفها عرضاً حيث أراد أن يكتب عن السكة حديد أو لوحة الفقر التاريخية. نحن نعلم أن من يكتب في الصحف لابد أن يكون ملماَ بكل جوانب ما يكتب عنه ومطلعاً تمام الإطلاع وهاضماً لما يكتب لأن مايخط يراعه يقرأه آلاف القراء الذين بلا شك منهم الكثيرون الذين يبزونه علماً وثقافةً وإطلاعاً ومعرفة - فيا رعاك الله - لا تضلل عباد الله بمعلوماتك المبسترة والخاطئة وأحسبك لا تفهم في الشعر ولا تفهم تقمص الشاعر لشخصية أو لمبدأ فتنسبه إليه شخصياً، أنا شخصياً مررت بمثل هؤلاء الأطفال وهم يجرون خلف القطار ولطالما طافت بذهني أبيات الهادي آدم الخالدة والصادقة فنياً وعاطفياً عندما كنت أستقل القطار في طريقي الى وادي حلفا القديمة للعمل والشاعر الذي إستلهم هذه المواقف قد شاهد بنفسه هذه المناظر عندما تجول بالقطار في أنحاء السودان أو ربما سافر بقطار الشمال في طريقه إلى وادي حلفا، وعبرها إلى مصر حينما كان يتلقى العلم بأم الدنيا أو لعلك يا أخي فكري لم تفهم القصيدة أو أنك لا تفهم الشعر إطلاقا فقد قلت(الإنفعال بلوحة الفقر هذه يدفع الشاعر إلى آفاق المعاني المهلكة بالقول أن الفقر أصبح قدراًعليه، وعلى بني جنسه) فكأنما يريد أن يقول أن الفقر كُتِب عليه كما كُتِب على آبائه وأجداده(قد جرى قبلي أبي خلفك في الماضي الطويل ...) مادعاني لهذا الرد الساخن هو أنك تناولت موضوعاً لم تهضمه وقصيدةً لم تفهمها وشاعراً لم تعرفه. أنا لم أكتب عنه لمعرفتي اللصيقة به فهو أستاذي ومن أبناء قريتي الهلالية التي لم يطف ولم ولن يعبر بها قطار، ولا حتى قطار آخر الليل . وأعلم أن كتابة الأعمدة من أصعب الأشياء وأهمها في الصحافة، فالكاتب يجب ألايحشو عموده بأي كلام فللقراء أعين ترقب وتحاسب وتحلل وترصد الهنات ولعلك لا تعي ما تكتب فقد قلت:(هذه الرحلة التي قطعها الشاعرفي ماضيه لم يعد منها لأنه أصبح تاريخاً لن يعود. وجد موضوعاً دسماً للفشل الخالد الذي ينتهي إليه الشاعر والفنان.) سبحان الله..! ألم تدر أن الشاعر يتقمص روح الشخصية التي يريد أو المبدأ الذي يدعو له ويعبر عنه دون أن يكون هو قد خاض التجربة شخصياً. وراجع تعريف الشعر لإبن قدامه ثم أكتب مابدا لك فالشاعر الهادي آدم لم يكن من أولئك الفقراء وأنا لا أدافع ولا أستهين بمن كان فقيراً ! لا حاش لله فأنا من زمرة الفقراء لكن ماأعرفه أن الأسطورة الهادي آدم من أسرة إن لم تكن فاحشة الثراء فقد حباها الله بالعلم والرزق الوفير، فوالده كان عالماً من شيوخ الإسلام مشهوراً والأسرة ميسورة الحال ودليل ذلك إرسال أولاده أحدهم الشاعر ليدرس بمصر، وآخر لجامعة الخرطوم وآخرون للكليات والمعاهد المختلفة بنيناً وبناتاً فافهم يا أخي واعتذر! ولا يكن عمودك ينطبق عليه مسمى(أوراق على الطريق...) فتكون أوراقا مهملة والله من وراء القصد... كما آمل نشر هذا التعليق بنفس المكان الذي ورد فيه المقال المشار إليه ليزيل جزءاً من الرشاش الذي أصاب العائلة وأصابنا نحن من نهلنا من(كوخ الأشواق)ومن بحر لغته الزاخر، ومن شموخه وأدبه الجم، إلى جانب الكرم الذي شمل به جميع أبناء الهلالية، الذين درسوا بحنتوب فى ستينيات القرن الماضى من إستضافة بمنزله له الرحمة مع الخالدين. - الهلالية