أعلن الدكتور مأمون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم بداية تطبيق أحد أهم القوانين التي أصدرتها حكومة ولاية الخرطوم وهو قانون مكافحة التبغ هذا القانون الذي تأخر اصداره كثيراً واذكر قبل اكثر من أربعة سنوات تشرفنا بحضور مناقشات عديدة لهذا القانون الذي كان يقود أمر اصداره الدكتور حسين محمد أحمد والذي بذل الكثير من الجهود لاقناع السلطات التشريعية والتنفيذية باهمية اصدار قانون لمكافحة التبغ ودكتور حسين محمد أحمد هو اكثر الاطباء السودانيين الذين عاشوا أثر التبغ على صحة المواطن السوداني خاصةً وانه الرائد في علاج الاورام السرطانية في السودان. واليوم يواصل د. مأمون حميدة المسيرة النيرة ويستطيع بقوة العزيمة ومواجهة العوائق ان يقنع المجلس التشريعي لولاية الخرطوم بالتصديق على مسودة قانون لمحاربة التبغ ولقد كان لي شرف حضور الجلسة الاولى للمجلس والتي استعرض فيها د. مأمون حيثيات القانون مع عرض عملي مصور للآثار الصحية الخطيرة على صحة الانسان. لا شك ان مثل هذا القانون يتعارض مع مصالح الكثير من الدوائر ولذلك نتوقع ان تكون مسيرة التقنين والتطبيق محفوفة بالكثير من العقبات. وهنا لابد من التحوط العلمي لهذه المعوقات حيث يجب ان تسبق التطبيق حملات مدروسة للتعريف بمخاطر إستعمال التبغ بداية من المدارس واماكن تجمعات الاطفال والشباب وهنا لابد ان تتضمن المناهج الدراسية لكل المراحل مواد توضح المخاطر الصحية الناتجة عن استعمال التبغ بكل أنواعه. ثم تخصص مساحة مقدرة في الاعلام بكل فروعه لنشر هذه الثقافة وحتى نخاطب الضمير الانساني والروحي! لابد ان هناك حملات متواصلة لائمة المساجد والدعاة لتحذير الناس من هذا الخطر وربطه بالعقيدة التي بالطبع لا تقر اي شيء يتسبب في ضرر على الانسان. وحتى يكون الطرفين ممهداً لتطبيق قانون مكافحة التبغ لابد ان تقوم الدولة ببعض الاجراءات الاحترازية أهمها رفع الرسوم المختلفة على أماكن بيع التبغ خاصةً التمباك الذي انتشر استعماله وسط الشباب بصورةٍ مزعجة وحتى تكتمل المعادلة اقترح ان تفرض ضريبة محددة على التبغ بكل أنواعه وتخصص لدعم علاج السرطان، مثل دمغة الجريح مثلاً علماً بأن مرضى السرطان، يعانون من نقص في الدواء والعلاج ونحن عندما نتخذ مثل هذه الاجراءات لا نكون قد اتينا بجديد حيث سبقتنا الكثير من الدول في فرض رسوم مضاعفة على التبغ فنجد في بريطانيا مثلاً صندوق السجائر قيمته تزيد عن ثمانية جنيه سوداني ولا يسمح للقيام لبريطاني في ادخال اكثر من اثنين باكو من السجائر -وهكذا الحال لمعظم الدول الاوروبية- أما حركة بيع التبغ تحكمها قوانين صارمة حيث يحاكم بالسجن من يبيع التبغ لشخص تحت سن الثمانية عشر ولا يسمح ببيع التبغ قرب المدارس اما الاماكن المسموح فيها بالتدخين فتكاد محصورة في نطاق ضيق وبين الفينة والاخرى تصدر لوائح تمنع التدخين في اماكن جديدة حتى يخيل اليك انه سيأتي يوم يمنع فيه التدخين في الشوارع العامة ونجد المواطن العادي يشارك في منع الغير في الأماكن غير المسموح فيها بالتدخين حيث يقوم بردع من يدخن في الأماكن الممنوع فيها التدخين وذلك احتراماً للقانون وحرصاً على صحته من منطلق الضرر الذي يصيب المدخن السالب الذي يتضرر من تدخين الغير وهذا ناتج من ثقافة الناس عن مخاطر التدخين. ومن ناحية اخرى نجد ان كل الدوائر في السودان مهتمةٌ بمخاطر التدخين دون أدنى اهتمام بمكافحة تبغ التمباك الواسع الانتشار والذي يزيد انتشاره كلما أحكمنا الخناق على السجائر، وكلما رفع سعرها رغم ان الوقائع العلمية تثبت ان المخاطر الناتجة من التمباك قد تكون اكثر ضرراً من تلك الناتجة من التدخين وغير تلك الناتجة من استعمال التمباك مثل سرطان الفم والصدر.. الخ نجد ان هناك ضرر كبير واقع حتى على الذين لا يستعملونه وفي دراسة احصائية تقديرية قام بها الدكتور محمد عبد الله الريح وجد أن مستعمل التمباك عادةً ما يلقي «السفة» على الارض وهكذا وجد ان ما يلقى على الارض من «سفة» التمباك يساوي بالتقريب اكثر من 7000 الف طن في العام الواحد في ولاية الخرطوم فقط اذا افترضنا ان هناك واحد مليون شخص يستخدمون التمباك في الخرطوم كل هذه الكمية تختلط بالتربة لتكون جزءًا من تركيبة الغبار العالق في أجواء العاصمة وبقية المدن لتجد طريقها الى رئة الانسان وجهازه التنفسي بكل سلاسة علماً بأن السودان معروف بأنه من اكثر دول العالم تلوثاً بالغبار العالق طوال فصول السنة. من هذا المنطق ومن واقع الاضرار الصحية الاخرى الناتجة من استعمال التمباك لابد من اتخاذ خطوات جديدة لمكافحة انتشار التمباك على ان ترفع الرسوم والضرائب على مزارعي ومنتجي وبائعي التمباك بنفس القدر مثل السجائر وان تطبق كل اجراءات المكافحة من تحذير من المخاطر الصحية واعلان وترويج على التمباك حيث لا يصدق ببيعه قرب المدارس وللاطفال دون 18 عاماً وان تمنع كتابة عبارات الترويج في أماكن بيعه مثل سلطان الكيف- وملك الكيف وغيرها من أساليب الترويج وتستبدل بعبارات التحذير المفروض كتابتها على صندوق السجائر وهنا يأتي التمباك مضر بالصحة ويسبب السرطان. إن تطبيق مثل هذه القوانين يتطلب تضافر كل الجهود المجتمعية والرسمية فالأمر يتعلق بالصحة وبالذات صحة الشباب مستقبل الامة. وفي الختام التحية لوزير الصحة الدكتور مأمون حميدة الذي ظل يحمل هذا الهم لأمد طويل حتى تحقق الهدف والتحية لمجلس تشريعي الخرطوم الذي أجاز قانون مكافحة التبغ والمرحلة المقبلة هي تنفيذ القانون وهنا يأتي دور الشرطة والقضاء والمجتمع.