فى تمام الرابعة إلا ربع حطت طائرة الرئاسة بمطار الخرطوم قادمة من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بعد مفاوضات مارثونية بين حكومة السودان ودولة جنوب السودان أفضت إلى اتفاقية التعاون المشترك أمس الأول.. شارع المطار تزين بلافتات السلام والترحيب بالاتفاق.. بينما اصطفت الجماهير على طول الطريق واحتشد الوزراء والدستوريون والتنفيذيون في صالة كبار الزوار والابتسامات تعلو الوجوه إشارة إلى الرضى بما تم وأنجز.. وحال هبوط الطائرة في مدرج المطار أطل رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ملوحاً بعصاه للجميع في إشارة للسلام ونجاح التفاوض وسط التهليل والتكبير.. ودخل الرئيس والوفد الذي رافقه مباشرة قاعة كبار الزوار، بينما توجه بعض من وفد التفاوض مباشرة إلى الخارج ويبدو عليهم رهق المفاوضات. الرئيس للمواطنين في مطار الخرطوم كان كل شيء مرتباً لكي يخاطب الرئيس الحشود، حيث قال د. عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم في تقديمه للبشير: «لن أحول بينك وبين المواطنين»، وبدأ الرئيس مهللاً ومكبراً وداعياً للصلاة على الرسول «صلى الله عليه وسلم» وشاكراً الشعب السوداني في مدنه وأريافه، وشكر الله على نعمة السلام فى السودان، مشيراً إلى أن السلام هو هدف الإنقاذ منذ مجيئها، وأن أول عمل لها كان المؤتمر القومي حول قضايا السلام، وأشار إلى أن الإنقاذ لم تأتِ للجلوس على مقاعد الحكم، بل لتنفيذ السلام الذي وصفه بمفتاح التنمية والاستقرار و«إن الملك بيد الله»، وقال «بحثنا عن السلام في نيروبي وأبوجا الأولى»، وأكد أن السودان أهل العهود وتأسف على الذين يحرضون ويحركون القضايا ضد السلام في السودان وأن اتفاقية التعاون المشترك التي تم التوقيع عليها فى أديس أبابا مع دولة الجنوب هي بداية السلام ونهاية كافة القضايا التي كانت عالقة وأن العمل على إنجازها سوف يبدأ فوراً، واصفاً الرئيس سلفاكير بالمتعاون والصادق في تنفيذ الاتفاق، وقال إن كل مشاكل المواطنين سوف تحل عبر الآليات التي تم تخصيصها للتجارة والتنقل والحركة، وأعرب عن أمله في وحدة السودان من جديد وثمن دور وفد التفاوض الذي صبر ورابط طوال مدة المفاوضات العصيبة، وأشار إلى دور أثيوبيا الإيجابي والرئيس الراحل مليس زيناوي وخلفه رئيس الوزراء هايلي مريام والآلية رفيعة المستوى في مساهمتهم في الوصول للاتفاق. شفرة الحل وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين أكد على أن وجود الرئيسين في المفاوضات ساهم بشكل كبير في حسم الملفات العالقة وأعطى دفعة قوية حتى تم التوقيع عليها من قبل الدولتين وكللت بالنجاح، وقال إن ملف الترتيبات الأمنية كان شفرة الحل لكثير من القضايا بعد أن وافقت دولة الجنوب على فك الارتباط بقطاع الشمال والجبهة الثورية والانسحاب غير المشروط في المنطقة المنزوعة و10 كيلو من كل جانب، والاحتفاظ بالنظام الذي كان سائداً في منطقة الميل 14، وأشار إلى أن الآليات سوف تبدأ العمل فوراً في المراقبة، وقال إن الأساس للاتفاقية قوي ومبني على الإرادة السياسية التي توفرت لدى الرئيسين، وأكد ذلك في زيارة الرئيس سلفاكير إلى البشير في مقره مساء أمس الأول عقب مراسم الاتفاق. من جانبه أكد كبير المفاوضين إدريس عبد القادر أن الاتفاق يمهد لحسم الكثير من القضايا التي كانت تمثل عقبة في طريق السلام، وقال «نحن نعلم أن إبرام الاتفاقيات يحتاج إلى مناخ أمني لذلك كان المدخل الأول هو الاتفاق على الترتيبات الأمنية كشرط أساسي للحكومة، وأن اللجنة المشتركة سوف تجتمع لوضع الترتيبات والتفاصيل المتعلقة بالتوقيت الزمني لتنفيذ الاتفاقيات والتي سوف تعرض على الهيئة التي ستشكل من البلدين في غضون 40 يوماً، معرباً عن أمله في أن يتحقق ذلك قبل المدة التي تم تحديدها لأهمية التنفيذ بروح التعاون.. وقال إن اتفاق النفط قد أنجز تماماً بكل تفاصيله المتعلقة بالأسعار والترحيل والإنتاج وإن توجيهاً سيصدر إلى الشركات العاملة بالنفط لبدء العمل فوراً حتى يتدفق النفط عبر الموانيء السودانية إلى موانيء العالم، مشيراً إلى اكتمال كافة الترتيبات حول النفط وأنها لا تحتاج إلى تفاصيل أخرى لأنها جاءت مفصلة. وتحدث حول اتفاقية التجارة وقال إن وزيري التجارة بالبلدين سوف يجتمعان لبدء العمل، وفيما يتعلق بالأمور المصرفية قال إن هناك لجاناً ترتب للتعامل المصرفي بين البلدين حول التعامل البنكي والتحويلات، وأشار إلى أن الديون بين البلدين سوف سيسهم المجتمع الدولي في حلها، وأما المتأخرات غير البترولية فقد تم إعفاؤها بين الدولتين بطريقة ودية متبادلة، وقال إن الاتفاقية الخاصة بالمعاشات بين الدولتين تضم النظاميين والمدنيين من الجانبين قد تم الاتفاق حول طريقة الدفع وفوائد ما بعد الخدمة. وحول قضية الحدود وأبيي قال إن موقف الحكومة واضح تجاه قضية أبيي استناداً على اتفاقية السلام الشامل وبروتوكول أبيي والذي ينص على إجراء الاستفتاء وأن تكون هنالك مفوضية مهمتها الأولى مراقبة عملية الاستفتاء والإشراف عليها، وأشار إلى أن ترسيم الحدود قد قطع فيها شوط كبير وتم الاتفاق على بعض منها واختلف فى خمس مناطق وسوف يبدأ العمل فوراً فى ترسيم ما اتفق عليه وأن هذا عمل مستمر، وهنالك لجنة ستتم الاستعانة بها من خبراء أفارقة في الترسيم الحدودي وإذا حدث الاختلاف سوف يكون اللجوء إلى ما يعرف بالبدائل التسعة على أن يتم اختيار بديل واحد لحسم الخلاف، وقال إن اتفاقية الحريات الأربع من تملك وحركة وإقامة سوف تتابع من قبل لجنة من الجمارك والداخلية والجهات المختصة فى ضوء تحسين العلاقات والأمن والاستقرار حتى تصبح الحدود آمنة لضمان حركة المواطنين. قيادات سياسية ورؤية حول الاتفاق صالة كبار الزوار احتشدت بالقيادات السياسية التي جاءت احتفاء بما تم توقعيه في أديس أبابا، الفريق صديق القيادي بحزب الأمة القومي تحدث لآخر لحظة قائلاً إنهم يرحبون بهذا الاتفاق لأنه تعزيز لمشوار السلام وإنه خطوة إيجابية ونهاية لاحتراب بين دولتين، وإنها جاءت نتيجة لضغوط داخلية وخارجية والمطلوب من الطرفين في الدولتين أن تعزز بإرادة الشعبين وإدارة حوار واسع مع القوى السياسية وعدم ترك الاتفاقية رهينة للخارج حتى لا تتعرض لمطبات أخرى مثل نيفاشا. من جانبه أشاد الدكتور بدر الدين طه القيادي بالمؤتمر الوطني بالاتفاق الذي وصفه بحل قضايا عالقة أثرت على البلدين خاصة أنها تتصل بعلاقات تجارية، ووصف أن هذه الولادة المتعسرة سوف تعود بنتائج جيدة في المستقبل القريب، لأنها سوف توقف العدائيات وتدفع بالاستقرار. الخير الفهيم رئيس اللجنة المشتركة لإدارية أبيي أعتبر أن ما تم من اتفاق يساهم في حل قضية أبيي لأن يمهد لها بعد أن تتكون علاقة جيدة ومن ثم يفتح هذا الباب للحوار حول قضية أبيي، وقال إن موقف الحكومة واضح تجاه أبيي بحلها عبر بروتكول أبيي واتفاقية السلام الشامل. مشاهدات على فضاء المطار الإعلام كان حاضراً بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، والمواطنون اصطفوا على طول مداخل طريق المطار، فيما البعض يحمل علم حزب المؤتمر الوطني في إشارة إلى انتصاره في المفاوضات. الطرق الصوفية كانت حاضرة بدفوفها ونحاسها وكافة قطاعات الشعب والذي حشد له الدكتورعبد الرحمن الخضر عبر الإذاعة في دعوة لاستقبال الرئيس ووفد التفاوض احتفاءً بالسلام الذي رفرفت أعلامه على كل الطرقات وشكل فرحة واضحة على الجميع في أمل أن تبدأ ثورة البناء الداخلي والمصالحة الوطنية لبداية استقرار سياسي وبناء اقتصادي وتداول سلمي للسلطة فى السودان.