لا أشك مطلقاً في أن القصف الذي تعرضت له مدينة كادوقلي يوم أمس كان يستهدف واحداً من أمرين، إما اغتيال قيادات نافذة في الدولة وتحديداً الدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ومن كانوا معه من مرافقين ومعهم والي جنوب كردفان مولانا أحمد هارون، وإما إفساد ملتقى «كادوقلي» نفسه يخلق نوع من (الربكة) وزعزعة الأوضاع حتى لا يتحدث أحد فيما بعد عن نجاح تحقق من ذلك الملتقى بحيث لا يصبح حاملاً لاسمه الذي عرف به قبل أن يولد، وهو (مؤتمر كادوقلي التشاوري للسلام) ولا يصبح هناك ملتقى ولا تشاور ولا سلام ولكن الدكتور نافع لم يكن هناك.. وفشل المخطط رغم الضحايا الكثر رحمهم الله. يد الذين أمسكوا بالمدافع لإطلاق (داناتها) كانت غير ثابتة، وقد تكشف التحقيقات عن أن الذين أطلقوا تلك (الدانات) قد فروا من مواقعهم تاركين المدافع تحكي الفصل الأول من مأساة جديدة نتوقع لها أن تستمر لعدة فصول بعد أن تم التوقع على اتفاقية التعاون المشترك بين جمهورية السودان وجنوب السودان مؤخراً في العاصمة الأثيوية أديس أبابا. الهدف غير المرئي من إشعال الحريق هناك على رؤوس جبل كادوقلي والجبال المحيطة به هو (نسف) اتفاقية التعاون المشترك التي أشار السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير إلى أن عمل آليات تطبيقها سيبدأ خلال هذا الأسبوع.. وذلك باجتماع اللجان المشتركة وفي مقدمتها لجنة الترتيبات الأمنية. خطاب السيد رئيس الجمهورية أمس في فاتحة أعمال دورة الانعقاد السادسة للهيئة التشريعية حمل إشارات ضمنية وواضحة في ذات الوقت إلى أن الاتفاق يتعرض للكيد والتآمر، وأن الخصوم في الداخل والخارج يئسوا من تحقيق ما كان يراودهم من أوهام وأحلام وإسقاط النظام. الآن وضح تماماً أن توقيع هذا الاتفاق أجهض أحلام الكثيرين واستفز الشرور داخل نفوس الذين شعروا بأن الهزائم لحقت بهم وأنهم أصبحوا بعيدين عن مخازن السلاح وامتنع زناد البندقية عن أيديهم فآثروا أن يهدموا المعبد بمن فيه رغم أن ذات الخطاب الذي ألقاه السيد رئيس الجمهورية بالأمس تضمن بوضوح شديد ما يفيد بأن أبواب الحوار لم تغلق، بل مضى أبعد من ذلك عندما قال إن الحكومة ستتواصل مع الجميع ولكن دون إملاءات وفرض أجندة. الآن ستعلو أصوات أعداء السلام في الداخل وتطالب بوقف دوران عجلة السلام، وتتهم دولة جنوب السودان بأنها كانت وراء الذي حدث.. لذلك نرجو عدم التسرع في إصدار الأحكام قبل التحقيق.. ونأمل ألا تتم الاستجابة لمطالب مراهقي السياسة دعاة الحرب الذين يعانون من قصر النظر السياسي والفكري معاً.