طالعت في الصحف قبل أيام تراشقات كلامية وإتهامات بين المخرجة المصرية إيناس الدغيدي والممثلة «آثار الحكيم».. وكل واحده فيهما تقدح في أخلاق وسلوك الأخرى، وتجردها من الفضيلة.. وتتوعدها بجهنم وساءت مصيرا.. بعدها بيوم واحد قرأت خبر إتهام إمام مسجد بالصحافة لأحد الإعلاميين المشهوريين، بأنه زنديق.. ويجزم بأنه من أهل النار.. يمكن قبول مثل هذا القول من الممثلات.. أو عامة الناس على ما فيه من جهل.. ولكن ما لا يمكن قبوله.. أن يصدر من إمام وخطيب مسجد المفترض فيه الإحاطة التامة.. والعلم بظاهر وباطن الدين.. ولا أعرف في الدين كله.. «أن الإنسان يمكن أن يحدد أو يجزم بأن إنساناً آخر من أهل النار». فالإنسان الذي خلقه اللَّه.. ويرزقه ويميته.. ويحييه هو وحده.. الذي يختار مصيره.. ويقرر هل هو من أهل الجنة أم النار؟ عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إن اللَّه تعالى يعافي الأميين مالا يعافي العلماء»، أي أن الجاهل لا يحاسب كالعالم! فمن يرتقي منبراً ليخطب في الناس يجب أن يكون أعلم ممن يخاطبهم.. «ولو الى الحد الأدنى».. فليس من حق أحد لا بالكتاب ولا بالسنة.. ولا كل أصول الشريعة الأخرى أن يقول «إن فلان من أهل النار».. حتى ولو كان اسوأ الناس في الحياة الدنيا وما ترك موبقة إلا واقترفها..! فالله وحده العليم بعباده.. وبدواخلهم.. وأعمالهم.. هو الذي يزنها بميزان العدل والقبول.. والأهم من ذلك كله الرحمة.. فإن ما في الدنيا من تراحم بين الأم وولدها.. والناس ببعضها البعض هي رحمة واحدة.. ولله تسعة وتسعون رحمة مخبأة ليوم القيامة.. فلا أحد.. لا أحد يعرف أي الأعمال المقبولة عند الله.. «فربما كان هذا الموصوم في الدنيا بأنه من أهل النار.. أقرب إلى اللَّه منك..» أو أنه يعمل عملاً يراه الناس بلا قيمة.. فينجيه اللَّه به من النار.. أو أن اللَّه الذي خلق عباده.. ويملك وحده التصرف في مصائرهم في الدنيا والأخرة.. يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.. ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فإن بغياً من بني إسرائيل.. دخلت الجنة.. بسقياها كلباً يلهث من العطش.. ودخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت.. عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال إنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من دعا رجلاً بالكفر.. أو قال.. عدو اللَّه.. وليس كذلك.. إلا حار فيه».. فرب عملٍ صغير.. يتقبله الله ويزكيه.. وينميه ويكون سبباً للنجاة.. فالعبرة.. بالرحمة.. والخواتيم فقد يعمل الرجل بعمل أهل الجنة.. حتى لا يبقى بينه وبينها ذراع فيعمل بعمل أهل النار.. والرجل يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينها وبينه ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة. فالسرائر يبلوها اللَّه الأعلم بها.. عن علي بن أبي طالب قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة.. خلا اللَّه عز وجل بعبده يقرره بذنوبه ذنباً ذنباً ثم يغفر له.. لا يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل.. ثم يقول لسيئاته كوني حسنات»، فاللَّه فعال لما يريد. روى أن محمد بن سيرين صاحب دين لم يستطع أداءه.. الزمن الطويل.. فقال إني لاعرف الذنب الذي جعلني أحمل الدين على كتفي.. لقد قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس..! زاوية أخيرة: قال الحبيب المصطفى.. وهو يحث على الخوف والرجاء برحمته تعالى «إن رجل أتى كل الموبقات فلما حضرته الوفاة قال: لأبنائه إذا مت فاجعلوني رماداً ذروه في الجبال والبحار لأني أخاف اللَّه.. وأخجل أن أبارزه بلا حسنة، فجمعه اللَّه وقال.. لما فعلت ذلك وهو أعلم.. فقال استحييت من ذنوبي يا ربي.. فقال رب العزة أدخلوا عبدي الجنة بمخافتي..! والله أعلم