أبعث لكم بتهئنة العيد الكبير، عيد الحج لأستاذنا الحاج عطا المنان وقدوتنا أبو العزائم وكبيرنا عبد العظيم وحبيبنا علي فقير عبادي، التهنئة لكم وللعاملين بالصحيفة. ثم أسمحوا لي عبر صحيفتكم أن أروي أحدى حكاياتي مع الحج، وقد منَّ الله علينا بالحج بضع وعشرين حجة، وإن كانت حجة الجمعة بسبع حجات، فقد بلغت الأربعين حجة «3» جمع و 19 حجة عادية.. وهي دعوة المرحومة الوالدة فقد كانت تدعو لنا بأربعين حجة عند المصطفى «صلى الله عليه وسلم». وبتصحيح فإن الحج لله. أشتاق إلى الحجر الأسود أو الحجر الأسعد، أخذه القراطمة وقبله المصطفى «صلى الله عليه وسلم» أشتاق إلى الكعبة ارتفاعها خمسة عشر متراً، يقع إتجاه صلاة أهل السودان ما بين الركن اليماني جنوباً والجزء الغربي من حجر إسماعيل شمالاً، أقرب الأبواب أبونا إبراهيم عليه السلام «إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل». سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم.. أن تصلي داخل الكعبة فقال لها صلي في الحجر، فكأنك صليتي داخل الكعبة، والحجر جزء من الكعبة، لذلك يكون الطواف خارج الحجر. تعودت الخروج من مدينة جدة لأداء فريضة الحج في اليوم الثامن «يوم التروية» وقد توجه الحجيج إلى منى لأداء خمس صلوات والمبيت: الليلة الحجيج من جدة أحرم فات مرحبابا اليوم علي عرفات.. فات فات الحجيج الليلة فات.. وقبل الخروج وفي صبيحة نفس اليوم تعودت أن أطوف على مجمع السيارات المتجهة إلى مكة. وعادة ما تبدأ الرحلة من الكورنيش أو باب مكة أو كيلو 14 وهي سيارات تحمل المخالفين «الخارجين بلا تصريح» ومن خلال هذا التجوال أتعرف على تعرفة الترحيل وهي مائة ريال من جدة إلى باب الحرم تحت مسؤولية السائق أو هكذا يلتزمون. الشميسي وهي «الحديبية» سابقاً محطة لا يمكن تجاوزها، غير أن هناك إتفاقات مسبقة بين السائق وأحد رجال الشرطة بنقطة العبور، ربما يكون من أهله أو ريعه أو زميله. إتفاق صلح، ولكن بعدم العودة إلى جدة وليس كقريش المتمردة في الحديبية الأولى.. تأكدت أن كل الأمور عال العال. السعر معقول والسائق سبق أن عبر بالمخالفين عدة مرات وهو متحمل للمسؤولية.. ودعت العزابة «لبيك اللهم لبيك» وصرت أردد قوله تعالى «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...» وقوله «وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» السيارة أمريكي كابرس موديل 2002 موديل نفس العام، والسائق سعودي لا يرى من وجهه إلا العينين ولساناً وشفتين. جلست على الكرسي الخلفي تماماً كأحد الدستوريين. بسم الله مجريها ومرسيها، سبقني مصري وهندي وجلس على المقعد الأمامي يماني وبقي مقعد أخير حسب شروط السائق، يارب يكون سوداني! بكل أسف باكستاني. والباكستاني جلدة «بخيل» خاصة حينما يكون في موقع القوة، وهو مستعد للانتظار ساعة بل ساعات في سبيل تخفيض الأجرة ريالاً واحداً، ولن يثنيه عن هذا الهدف إلا شعوره بأن آخر ربما يحل محله. حسب النظام تم تجميع دفاتر الإقامات لتسليمها للسائق، إلا أن المصري قد احتفظ بها لأن السائق قد شرع في التحرك وقد علا صوتنا بالتلبية «لبيك اللهم لبيك» قبل وصولنا الشميسي بعدة أمتار. اختار السائق الممر المتفق عليه وهو أقصى اليسار ولكننا فوجئنا عند الوصول بأن الشرطي الذي تم الإتفاق معه قد غادر الموقع وحل محله آخر لم يخش فينا إلاً ولا ذمة. وقفت السيارة فسأل الشرطي السائق كم العدد؟ «5» ما جنسياتهم؟ وقبل تكملة الإجابة تصاريح الحج؟ عندها جف الدم في عروقي وأصبت بدوران وما يزال يتنابني كلما تذكرت تلك الفاجعة.. كفننا عن التلبية وواصل الشرطي على جنب.. وذهب ليوقف سيارات على اليمين حتى نتمكن من على جنب، قال السائق بكل صراحة: عندما تقف السيارة أفتحوا الأبواب وأهربوا وأنتظروني قدام. يقول الحق سبحانه وتعالى « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» «البقرة- فتحت أبواب السيارة ولم ننتظر حتى يسألنا خزنتها ألم يأتكم نذير. وبدأت الهرولة غرباً، حقيقة ليست هرولة بل جري عديل وبسرعة 300 كلم وأنا أجري سمعت البعض بالقرب من المسجد في هضبة عالية يقولون «يا أخوانا أقيفوا الناس ديل بيضربوكم» قلت في نفسي بيضربونا!! إلتفت فإذا بثلاثة من رجال الشرطة- لا بارك الله فيهم- يلاحقونا. إذن لا مقنع لهؤلاء بالرجوع إلا بزيادة السرعة إلى 400 كلم حتى يدب فيهم اليأس خاصة أنهم منهكون بطول الوقوف واليوم يوم التروية وبحمد الله فقد رجعوا وتركوني هائماً في الصحراء. نواصل..